العولمة والخصخصة وبرنامج الصدمة الإقتصادى

العولمة والخصخصة وبرنامج الصدمة الإقتصادى

مقال قديم محدث

بقلم : محمد ضياء الدين

قبل الخوض في تفاصيل موضوع الخصخصة وتحرير الإقتصاد ، ﻻبد من التأسيس الفكري للموضوع بتناول ظاهرة العولمة الإقتصادية التي ﻻ تعدو أن تكون سوي أحد مراحل تطور الإقتصاد الرأسمالي . فالعولمة ظاهرة تأريخية كبري ، لها أبعاد كثيرة ومخاطر متعدده ويظهر البعد الإقتصادي للعولمة في تعميم الرأسمالية وقيم السوق علي كل المجتمعات الأخري في ظل منافسة غير متكافئة ، مما أدي فعلاً الى عالم (الخمس) الذي يتمتع بالغني والرفاة ، وباقي العالم ( أربعة أخماس) يعيش الفقر والفاقة والبطالة .
تعتبر العولمة ظاهرة سياسية أكثر من كونها تكيفا فنيا مع ظروف متغيرة ، أو تطبيقا لنظرية إقتصادية ، كون الخصخصة تأخذ شكل إستراتيجية لإعادة تنظيم المؤسسات وإتخاذ القرارات التى تخدم مصالح وأهداف سياسية لقوي إجتماعية معينة في المجتمع ، وتستهدف الخصخصة إعادة هيكلة إقتصاديات الدول النامية لتسهيل إندماجها في آليات الإقتصاد الرأسمالي . إن المنافسة ﻻتتطلب تحويل الملكية من القطاع العام للقطاع الخاص ، وعلي نطاق واسع ، إذ أن الملكية ﻻ تقرر آداء الشركات والمؤسسات بقدرما هي بيئة العمل الداخلية والخارجية ( الإدرة ،التنظيم ،الموارد ، الحوافز ، السوق).
كما أن الخصخصة في حد ذاتها ﻻ يمكن أن تخلق بيئة تنافسية ، علي أنه يمكن إجراء التحسينات والإصلاحات مع الإبقاء علي المنشأة في إطار الملكية العامة ، مع تغيير قوانين ولوائح العمل .
معلوم أن غالبية السكان يعتاشون من دخل العمل ، وفي ظروف الركود الإقتصادي وتفشي الفقر والبطالة ، يتوجب علي الدولة ومؤسسات القطاع العام توفير فرص العمل وتبني عملية التنمية لأن القطاع الخاص مهموم بتنظيم وتوسيع أرباحه لذا فهو لن ينجح في مكافحة الفقر .
إن سياسة التحرير الإقتصادي وتصفية القطاع العام التي طبقها نظام الطفيلية الإسلامويه فى السودان بأمر وتوجيه من مؤسسات التمويل الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) تمخضت عن إحلال الإحتكار الخاص محل الإحتكار الحكومي ، ما أدى لإرتفاع الأسعار وإنتشار البطالة وإنخفاض الأجور الحقيقية. كما أن خروج الدولة من دعم التعليم أدي الي حرمان الفقراء منه ، وبالتالي أضعف تراكم رأس المال البشري والضروري للتنمية .
إن إعادة الهيكلة الرأسمالية وتمكين رأس المال الخاص من قيادة النشاط الإقتصادي في السودان ، أدي الي إنتشار البطالة وتوسيع دائرة الفقر والفساد ، ذلك بسبب العجز والضعف الهيكلي للرأسمالية المحلية التي يجذبها النشاط الطفيلي ويحكمها الكسب السريع .

كما إن الرهان علي تدفق رأسمال أجنبي يكذبه الواقع وتدحضه الطبيعة المضاربة لهذه الرساميل ففي ظل العولمة أكثر من (60 ترليون دوﻻر خارج العملية الإنتاجية في العالم ) وتجربة النمور الأسيوية وبعض دول أمريكا اللاتينية تؤكد علي فشل الإعتماد علي الرأسمال الأجنبي.

إن كل برامج التنمية الإقتصادية التي قامت في السودان منذ العام 1960 إعتمدت علي التمويل بشكل رئيسي علي الموارد الإقتصادية الخارجية وأثبتت التجربة أن هذه الموارد غير مستقرة وغير مضمونة لإرتباطها بالتوجهات السياسية للجهات المانحة ، التى شكلت أحد أهم أسباب عدم التوازن الداخلي والخارجي في الإقتصاد ، فالسودان إستظل بمظلة البنك الدولي والصندوق لمدة عشرين عام خلال الفترة ( 1985- 1978) وخلال فترة النظام الحالي ، وكانت النتيجة مأساوية .
وكما هو معلوم فأن نظام الرأسمالية الطفيلية الإسلامويه فى السودان قد طبق الوصفات المحدده والثابته لهذه المؤسسات التي تقوم علي الهيكلة الرأسمالية للإقتصاد الوطني بإسم التكييف الهيكلي وتتمثل في تحرير الأسواق وإزالة القيود علي التجارة الخارجية ورفع الدعم عن السلع والخدمات وتخفيض قيمة العملة الوطنية وتصفية مؤسسات القطاع العام وخفض العمالة ، معلوم أن النظام طبق هذه الوصفات بمنتهي الدقة وكانت النتيجة تفشي الفقر وإنتشار البطالة وزيادة التفاوت في توزيع الدخل والثروة لمصلحة الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي نمت وترعرعت في كنف الفساد المالي والإدري ، وإرتبط ذلك بإنخفاض النمو الإقتصادي والتنمية أكثر بكثير مما يمكن التنبؤ به في غياب هذه البرامج .
إن إستقطاب التمويل الخارجي عبر مؤسسات التمويل الدولية لن يتحقق قريبا وإذا حصلنا عليه سوف يكون ثمنه باهظا ولن يؤدي للتنمية المنشودة .

إن حل الأزمة الإقتصادية فى بلادنا يجب أن لا يخضع للتجريب والتنظير وترك أمر إقتصاد البلاد ومعايش العباد لأفراد يقرروا بحياة ومستقبل أبناءنا ، فلا سياسه تحرير الإقتصاد عبر إجراءات ما يسمى بالصدمة الإقتصادية التى ستتمخض عن تحرير سعر العمله كاملاً أو جزئيا مع أجراءات ماليه وطباعة وإغراق السوق بالمزيد من العمله المحليه فى ظل تراجع الإنتاج والصادر وعدم توافر المكون الأجنبي فى البنك المركزى سوف لن تعالج الأزمة الإقتصادية والمعيشة ، المتوقع أن الأزمة ستتفاقم أكثر وأكثر وسترتفع الأسعار خاصه السلع المستوردة ما يسهم فى مضاعفة معاناة المواطنين فى كل مجالات الحياة وتلك هى الصدمه الحقيقة ، التى تعنى زيادة حالات الإفقار ، وبالضرورة لن تؤدي الإجراءات الإقتصادية والمالية المرتقبة لحكومه رئيس الوزراء الجديد السيد معتز الى تهافت المستثمرين الأجانب للإستثمار فى السودان كما يدعى ويروج البعض .

معلوم أن الأزمة الإقتصادية تعبر عن أحد أوجه الأزمة السياسية في بلادنا نتيجة فشل سياسات النظام على كافة المستويات.
عليه فإن المخرج من الأزمة الوطنية يجب أن يقوم على إيجاد مخرج للازمة السياسية عبر جملة إجراءات على رأسها تنفيذ حزمة إجراءات إقتصادية ومالية ، تتأسس على قيام تنمية وطنية مستقلة ، بمعني الإعتماد علي النفس ، أي الإعتماد على المجتمع وعلي قدرات أفراده بما يجعل الإنسان هو محور التنمية وغايتها ووسيلتها ، ولكن محدودية موارد القطر ، خاصة بعد حالة الإنهيار الإقتصادى والديون المتراكمه على السودان التى تجعل من المستحيل تحقيق تنمية مستقلة في الإطار القطري ، ومن ثم تنشأ ضرورة الإعتماد الجماعي علي النفس علي المستوي الإقليمي بإقامة كيانات كبيرة علي المستوي القومي والإقليمي ( سوق عربية مشتركة ، سوق أفريقية مشتركة ،سوق عربية أفريقية مشتركة ) لأن الدولة القطرية لن تقوي علي مواجهة القطبية الآحادية التي تستخدم المؤسسات الدولية والإقليمية لتدعيم هيمنتها وسيطرتها علي العالم .
إن الدعوة للإعتماد الجماعي ليست دعوة للإنسلاخ الكامل عن النظام العالمي أو الإنغلاق علي الذات ، أو إغلاق الحدود والإنفصال عن حركة التبادل الدولي ، إنما المقصود العمل علي بناء القوة الذاتية والتخلص من الأوهام ، وإدراك حقيقة أن ﻻ أحد يبني بيت أحد .
إن إستراتيجة التنمية المستقلة تقتضي ضرورة إعمال الفكر والإبداع لإيجاد الأشكال المناسبة للمشاركة الشعبية والتي تعرف بأنها إسهام المواطنين طوعا في أعمال التنمية .
إن الدول كيانات إقليمية مسئولة عن شعوبها والتحدي الذي تواجهه الدولة السودانية اليوم يكمن في كيفية الحفاظ علي أمنها ووحدتها وصيانة مكتسباتها الوطنية ، وﻻ يمكن أن تكون الدولة أي دولة حيادية إزاء المشكل الإقتصادي والإجتماعي خاصة في دول العالم الثالث والسودان من بينها .
المفارقة أن هناك دعوات مناهضة للعولمة في المجتمعات الأمريكية والأوروبية (مراكز قوى الرأسمالية العالمية المتوحشه) مطالبة بالعودة الي دولة الرعاية والإلتزام الإجتماعي تحت شعار (الإنسان قبل الربح ).

لكن …
من يقنع الذين يستثمرون فى ما تبقى من أشلاء الفقراء والكادحين فى بلادنا.

4 أكتوبر 2018

ا

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.