العودة الطوعية والصراع حول الموارد بإقليم دارفور
الحلقة الثانية
بقلم: الأستاذ شمس الدين أحمد صالح
خلصنا في الحلقة الأولى الى أنه بعد 15 سنة من الصراع المسلح، برزت أصوات تنادي بضرورة العودة الطوعية للمهجرين قسرياً الى قراهم ومدنهم المهجورة، قبل حل مشكلة الصراع حول الموارد واتفاق إنساني أو سياسي بين طرفي الحرب، النظام والحركات المسلحة، المسببان لتلك الهجرة القسرية. ودون الوضع في الاعتبار التحولات الاجتماعية، الثقافية، الديمغرافية والبيئية التي حدثت، خلال سنوات الحرب اللعينة، والتي ما زالت حتى الآن مستمرة بصورة أو أخرى، ودون الاستفادة من التجارب العالمية في معالجة الهجرة القسرية وتداعياتها ونتائجها، حيث أجمع علماء علم الحرب والسلم والتقارير الدولية لمنظمة الهجرة الدولية، والمنظمات ذات الصلة بالموضوع، إن نسبة العودة الطوعية الى المناطق الأصلية لا تتجاوز 25% من جملة المهجرين قسرياً، مهما تحسنت الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية للمناطق المهجورة. وذلك لأسباب متعددة، ومتعلقة بالتحولات التي تحدث في حياة المهجرين خلال سنوات الحرب، وبالنظر الى الحالة الدارفورية، نجد أن معظم المهجرين، هم أصحاب المزراع والبساتين والماشية، وقد فقدت الماشية أثناء الحرب بالنهب، أو بيعت خوفاً من نهبها، ولأن هؤلاء مكثوا فى معسكرات النزوح واللجوء أكثر من خمسة عشر عاماً، قد نشأ جيل جديد لا يعرف حرف الآباء، الرعي والزراعة، لذلك من الصعب إقناع الأبناء بالعودة وممارسة تلك المهن، أضف الى ذلك أن الشباب أو الجيل الناشئ، قد تلقى قدر من التعليم فى هذه المعسكرات، بفضل جهود المنظمات الإنسانية الأجنبية والوطنية منها، بدرجة أن نسبة التعليم العام بإقليم دارفور، قد زادت بنسبة 80 بالمائة أثناء سنوات الحرب، وهذه الظاهرة جديرة بالدراسة، لأنها ظاهرة شاذة تختلف عن الحالات الأخرى في العالم، وحتى في جنوب السودان نسبة التعليم قلت في سنوات الحرب، وكذلك نسبة القيد في تعليم الاساس بين الجنسين إرتفعت في معسكرات النزوح واللجوء، ونسبة الناجحين من الأساس والثانويات تفوق هذه النسبة خارج معسكرات النزوح واللجوء، هذا العامل غير أوضاع كثير من المهجرين قسرياً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، تيمنا بالقول “العلم يرفع بيتا لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف” ونسبة لعدم وجود فرص العمل الكافية للخريجين بالسودان فإن معظم شباب المعسكرات الخريجين منهم ومكملي الشهادة الثانوية السودانية، قد هاجروا الى دول المهجر، سواء كان عن طريق الهجرة غير الشرعية، أو عن طريق برنامج اعادة التوطين، الذي تتوالاه مفوضية اللاجئين في دول الجوار مثل، مصر -تشاد- افريقيا الوسطى ويوغندا كينيا. وتم توطينهم في استراليا وكندا وأمريكا والدول الاسكندافية، وأصبحوا يعيشون على الاعانات الاجتماعية التي تقدمها تلك الدول، والبعض الآخر قد انخرط في سوق العمل في تلك الدول، وهذا التحول الاجتماعي جعل كثير من الأسر النازحة تعتمد على تحويلات الأبناء من هذه الدول، وهذا بالطبع غير الأحوال المعيشية العامة لهم نحو الأفضل.
كذلك هاجر عدد كبير من هولاء الشباب من أبناء النازحين الى دولة إسرائيل، وأصبح جزء منهم تجار موردين للبضائع من دبي الى إسرائيل والجزء الآخر يمتهن مهناً اخرى — وهذه الظاهرة تعتبر من أكبر سلبيات الحرب في دارفور، التي أضرت بالقضية المركزية القومية في فلسطين المحتلة، حيث ساهمت هذه الحرب والسياسات الرعناء في ادارتها في دعم الكيان الصهيوني بقوة بشرية جديدة ومنتجة ما كانت تحلم بها في يوم من الأيام. ولا أعتقد أن جرائم الحرب فى دارفور والتي دفعت هؤلاء الشباب الى إسرائيل، وتفضيل البقاء فيها عن البقاء في دارفور على الرغم من وقع القضية الفلسطينية في وجدان الشعب السودانى، وهذه لا تقل عن جريمة نقل اليهود الفلاشا عبر السودان في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميرى. والسبب الآخر الذي يقف حجر عثرة أمام العودة الطوعية عدم حدوث أى اعادة بناء للقرى المهجورة، بل تحول عدد منها الى ثكنات للقوات النظامية وفرقان وبوادي لبعض المجموعات الرعوية. وما لم يحسم هذا الموضوع الهام والقضية الجوهرية التي مادتها هي الصراع حول الموارد (الماء، الكلا، والأرض) لا يستقيم موضوع العودة الطوعية.
فالمطلوب من الدولة، بل الواجب عليها أن توفر لكل مواطنيها بيئة صالحة للسكن وسبل كسب آلعيش بالاحتكام الى الأعراف المحلية السائدة في استخدامات الأرض، وقوانين الدولة التي تنظم هذه الاستخدامات، واجراء مصالحات حقيقية بين أفراد المجتمع بواسطة قيادات أهلية مستقلة عن النظام، والقوى المستنيرة المدنية والسياسية، ذات التوجهات القومية والوطنية، وأن نترك مقولة نحن وهم، ويقتنع الجميع أن لكل الحق في المواطنة المتساوية الحقة، سواء كأن مزارعا او راعيا، أو صاحب حاكورة أو بدون حاكورة، وإن مصيرهم مشترك يجب أن يعيشوا في هذا الوطن، دون أن يعتدي أحد على الاخر، بسبب الهوية أو القبيلة أو المهنة. وأن يبحث الجميع عن حقوقهم المشروعة في الإستقرار والأمن والتعليم والصحة والمياه النقية للشرب والاستخدامات الآدمية الأخرى، وتتوفر لهم حماية لمزراعهم وبساتينهم وحيواناتهم، وإن تتوفر لهم مدخلات الزراعة من آليات الحرث والحصاد والمبيدات والأسمدة، والعناية البيطرية لثروتهم الحيوانية، وحماية البيئة من التدهور لتستمر في عطائها، سواء كان للراعى، او للمزارع، فمثل هذا التعايش والتآخي والتكامل والتكافل بين دوري المزارع و الراعي، هو السبيل الوحيد لانهاء الصراع حول الموارد وخلق بيئة مواتية للعودة والاستقرار وخلق بيئة مجتمعية سليمة ومعافاة عبر الإيمان بحق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
Leave a Reply