العلاقات السودانية الإيرانية بين الواقع والمستحيل

بسم الله الرحمن الرحيم

العلاقات السودانية الإيرانية  بين الواقع والمستحيل

د. يوسف آدم الضي . باحث في العلاقات الدولية

مدخل :

لقد دخلت التجربتان السودانية والإيرانية في تحديات ومواجهات وعزلة دولية وإقليمية الأمر الذي جعلها تنشغل بالدفاع عن الذات عوضاً عن تقديم النموذج المقنع للنظام السياسي والدولة العصرية والخطاب الحضاري الذي يمثل أشواق الصحوة الإسلامية الحقيقية لدى النظامين ،وبالمقابل لم يقدما إجتهاداً جديداً في أكثر القضايا التي شغلت الإنسانية مثل قضايا الدستور ونظام الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان ووضعية الأقليات وغير المسلمين وأصحاب المذاهب الأخرى والعلاقات الخارجية وقد كانت نتيجة هذا الاخفاق أن واجه النظامان معارك في الداخل والخارج أفقدتهما ميزة وحدة الجبهه الداخلية التي يحتاجانها عندما تكون المواجهه في الخارج محتدمة(1) ومع تصاعد الاحداث الاخيرة بعد القصف الإسرائيلي لمصنع اليرموك للأسلحه وعبور السفينتين الإيرانيتين البحر الأحمر والمقترح المقدم من إيران بشأن تحالف إستراتيجي مع السودان لحماية البحر الأحمر الذي إعتبرته جزءً مهماً في الدائرة الامنية الايرانية فقد أثارت هذه الأحداث تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقة بين السودان وإيران الي أين ؟ وماهي أوراق الربح والخسارة التي يجنيها السودان من علاقته بإيران ؟وكان ذات السؤال قد أثاره وزير الخارجية علي كرتي أمام المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني في 2012 (( هل من مصلحة السودان الإستراتيجية في علاقاته الخارجية الإتجاه الى تعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي لضمان الحصول على دعم مالي وإقتصادي وتوسيع إستثمارته أم الإتجاه لتوثيق علاقاته مع إيران لاسباب تتعلق بطبيعة التحولات المرتقبة  في ملف الصراع الإسرائيلي الإيراني في المنطقة ووقوع السودان في منطقة رخوه ستجعل ظهره مكشوفاً في حال إضطر للمشاركة في أية مواجهه )) إن هذه الإجابه التي لم يجدها الوزير حينها ربما تأكدت الآن ولكن للوصول معاً الي كنه هذه العلاقة وفهم محدداتها وفرصها أو محدوديتها تجعلنا نرجع الى الوراء وذلك للإلمام بطبيعة العلاقة ومسارها وأهدافها وبالتالي قدرتها على الصمود .

أولاً: خلفيات المواقف  الإيرانية

  لاشك أن ايران دولة إقليمية  كبيرة وهامة وتتمتع بموقع استراتيجي هام ولها إمكانيات ديمغرافية وإقتصادية ونفطية كبيرة يمكن أن تؤثر على مجرى السياسة الدولية إذا تم التوظيف السليم في إطار الشراكة الدولية والإلتزامات المتبادلة ، لذلك فإن فهم محددات العلاقة الإيرانية العربية  والإيرانية السودانية تبقى في غاية الصعوبة إذا أغفلنا بعض مرتكزات هذه السياسة الخارجية الإيرانية لتمدنا بتفسيرات مقنعة في هذا الصدد،ولعل إحتلال العراق في 2003 مثٌل حالة إختبار نموذجيه تسمح بمعرفة موضوعية لأهداف إيران ورهاناتها الحقيقية في المنطقة العريبة  حيث نجد في سياستها مايؤكد صداقتها للعرب ونصرتها لقضاياهم وبالمقابل فيها مايؤكد عداءها الواضح وأطماعها الثابته وتدخلها في أكثر من مكان ( سوريا ، لبنان ، اليمن ، السعودية ، البحرين ) وقد رسخت هذه السياسة الإيرانية المزدوجه لدى العرب فهماً إنطباعياً لها فهي إما صديقة أو عدوه ، ويمكن أن نلخص مبررات هذه الصورة ولفهم السياسة الإيرانية من خلال الآتي:

  • نموذج نظام الحكم الإيراني :_ يستند الحكم في إيران الى الفكرة الشيعيه القائله بأن الحكم الشرعي لايكون إلإ للإمام المنحدر من نسل سيدنا علي بن أبي طالب ، إلإ وأنه ونتيجة لغيبة الإمام ( محمد بن الحسن العسكري ) الملقب بالمهدي المنتظر تسند وظائف الإمام الى من ينوب من الفقهاء وتطبق هذه الصيغة في ايران تحت إسم ولاية الفقيه، وهي إحدى الحلول المعتمده لمعالجة الغيبه الكبرى، كما يقر النظام بإستناده الى مبدأ الضرورة لا الحقيقة وهو المبدأ الذي مكن من تعبئة الشعب الإيراني ودمجه عقائدياً وسياسياً وقد إستند على ذلك آية الله الخميني بعد النص عليه في دستور الجمهورية الإسلامية عام 1979 لبسط نفوذه السياسي والديني ،وقد جعل التشٌيع خاصية قومية بإعتبارها رابطة ضرورية لتماسك الأمة وتمايزها وهذه الحالة مثلت أكبر أثر علي سياستها الخارجية بسبب رؤيتها للعالم الخارجي من منظور آيديولوجي مما غير من خارطة الخصوم والحلفاء في البيئة الإقليمية والدولية وتمثل العقيدة دور الركيزة الأساسية لرؤية إيران للعالم الخارجي خاصة في العقد الأول من عمرها وقد عبرت مقولة خميني عن ذلك (( إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية )) وقد إرتبطت تلك الفترة بمبدأ (( تصدير الثورة )) الذي عانت منها دول عربية عديدة مثل العراق والبحرين والسعودية والكويت لوجود جماعات الشيعه فيها وقد عمدت إيران في ذلك الى ترويج فكرة أنها مهدده وغير مرغوب فيها من قبل جيرانها العرب (2)،إلإ أن هذه السياسة كانت تستهدف تمتين الجبهه الداخلية في المقام الاول لأنه لايخفى على أحد إنعدام فرص نجاح نموذج الحكم الإيراني في عالم عربي سني لايرى أهمية لنظام ولاية الفقيه ، وبالفعل فإنه بعد وصول الإصلاحيين الى الحكم أصبح الهدف الأول للنظام الإيراني ليس تصدير الثورة بقدر تأكيد دور إيران كمحور مركزي وتأكيد تفوقها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط .
  • الأهداف :_

وقد كانت إيران تنطلق من الأهداف الواسعه المترتبه على التراث السياسي والثقافي للثورة الإسلامية مثل :

  • النمو والتوسع الإقتصادي والحفاظ على وحدة الأرض والسيادة القومية .
  • الدفاع عن المسلمين والثورات التحررية ومعارضة إسرائيل والغرب خاصة أمريكا .
  • إقامة مجتمع إسلامي على أسس شيعيه .

إلإ أن صعوبات تحقيق هذه الاهداف جعلت إيران تلجأ الى تحديد سياستها لبناء علاقات مع الوطن العربي العربي عبر قضايا جوهرية هي :

  • الدعوة الى حوار بين المذاهب لتخفيف حدة الخلافات .
  • التركيز على القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية مركزية إسلامية وليست قضية عربية فحسب .
  • كما اهتمت بالعلاقات الثقافية والتبادلات التجارية .
  • كما ركزت على العلاقات غير الرسمية التي تقوم على المؤسسات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والنخب المؤثرة في المجتمع .(3)

ولكن مع ذلك فقد ثبت أن غاية ماتطمح اليه إيران هو التفكير بمنطق قومي ( فارسي ) كهدف أول في حين ان العمل على الدفاع عن المسلمين والوقوف مع الثورات التحررية وتحرير القدس لايعدو أن يكون مجرد خطاب تبشيري يفتقر الى مقومات إنجازه ، وهذا مايؤكد أن مجمل التوترات الإيرانية _العربية ، مثل مشكلة الحدود مع العراق وقضية جزر الخليج العربي والأطماع في البحرين كانت حاضرة في زمن الشاه كما هو حال الثورة الإيرانية ، وهو مايجعلنا آذاء ثوابت في السياسة الإيرانية تجاه الوطن العربي تحتكم في جوهرها الى المصلحة القومية أولاً وأخيراً ، وهو ماجعلها غير منفتحة ولاتعمل بجد لحل المشاكل العالقه مع جيرانها بل نراها تظهر تصلباً في مواقفها بل وضاعفت من أسباب التوتر مع جيرانها العرب من خلال إعطاء الاستحقاقات الحدودية أبعاداً مذهبية وثقافية

  • ثانياً : _ماحقيقة العداء بين إيران وأمريكا ؟

إن الحديث عن عداء أمريكي _ إيراني كما تدعي إيران يكتنفه الكثير من الغموض والإلتباس للأسباب التاليه :_

  • إن هذا العداء لم يتخذ شكل المواجهه المباشرة بين الدولتين .
  • غياب أسباب جوهرية من شأنها أن تنقل العداء من مستوى القول الى مستوى الفعل .
  • كما أن إيران لم تتهددها منذ نشأتها مخاطر خارجية جدية كتلك التي تعرض لها العراق وليبيا وكوريا الشمالية والسودان وهي بهذا المعنى ليست إستثناء ولا تعد نموذجاً لقياس مدى تعرض الدول للتهديدات الأجنبية .

      وتتلخص عناصر هذا العداء كما ترى إيران من توسع قوتها العسكرية التقليدية ،ومن سعيها الحثيث لإمتلاك السلاح النووي، ولمعارضتها لعملية السلام التي تجري في الشرق الأوسط ومن طبيعة نظامها القائم على الفكرة الدينية وربطها بالإرهاب والتخريب ، إلإ أن التصور الأمريكي لهذه الخصوصية مع إيران وفقاً لمقالة صادرة عن كتاب في السياسة الخارجية الأمريكية سنة 1997(4) هو إنتهاج سياسة مع إيران لاتعتمد على القوة ولا على الحصار مايعني إمكانية حل جميع  المشاكل القائمة بينهما بالطرق السلمية ، وقد فندت هذه المقاله تلك العناصر في أنه ليس هناك أدنى سبب للإعتقاد بأن الآله العسكرية التقليدية الإيرانية يمكنها أن تشكل خطراً مباشراً على تفوق الولايات المتحدة الامريكية (الإقليمي ) كما أن إستمرار التقدم في عملية السلام في الشرق الاوسط موضع إهتمام امريكي ولا يتعين أن تكون معارضة إيران لتلك العملية مبرراً للحرمان الدولي بل فقد وجدت إسرائيل نفسها إنه من المفيد في بعض المناسبات الاتصال بإيران وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية إذا إقتضت مصالحها ذلك ، ومن ناحية الآيديولوجية الدينية فأن الولايات المتحدة الامريكية قد أدركت  فشل النظام الايراني في قدرته على تقديم نموذج ناجح في الداخل والخارج، كما أن التوجهات داخل العالم الاسلامي تعمل على عكس إتجاه قيام خطر موحد بقيادة إيران ويعد السعي الايراني للحصول على السلاح النووي هو الجانب الوحيد في السلوك الايراني الذي يثير أقصى درجات القلق وعلى الولايات المتحدة الامريكية المفاضله بين قبول إيران بتقييد برنامجها النووي للأغراض السلمية أو الخضوع للمفتشيين من قبل الوكالة الدولية للطاقه الذرية إلإ أن مايكشف حقيقة هذا الإدعاء هو موقف إيران من الإحتلال الامريكي للعراق وهو في عدم التصادم مع أمريكا ومصلحتها في التخلص من النظام العراقي ولذلك عمدت السياسة الايرانية الى مايسمى (بالحياد الإيجابي ) في مواجهة الحرب على كل من أفغانستان والعراق وتحدد فرضياتها الاستراتيجية بالتكيف مع الشرعيه الدولية ، وتأكيد الدور الاقليمي الايراني في المعادلة الآسيوية والخليجية والعربية من خلال المناوره الدبلوماسية  والتصلب في إظهار عدم التبعية للغرب ،ويعتقد الكثيرون أن السياسة الايرانية تجاه العراق المحتل هي في الكثير من جوانبها محاولة لتخفيف سوء التفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية ، إلإ أن مجمل عناصر هذه السياسة لايجد تفسيره في الضغوط الامريكية المسلطة على ايران بل يجد تفسيره على الارجح في توافق إستراتيجيات الدولتين تجاه العراق والمنطقة العربية عموماً ،، فإذا كانت أهداف النظام البعثي في العراق هي : بناء عراق ناهض وقوي علمياً وإقتصادياً وعسكرياً والحفاظ على الثروة النفطية وتسخيرها لخدمة القضايا القومية وبناء وحدة عربية شاملة فإن هذه الاهداف تمثلان معاً مصدر  قلق حقيقي لكلا الدولتين على حد سواء ، ومن ثم مثٌل الإطاحه بالنظام البعثي وبناء عراق ضعيف هدفاً مشتركاً للدولتين ، ولذلك أمكن لإيران أن تجعل سياستها متوافقة مع السياسة الامريكية في الكثير من جوانبها لان هذا التوافق ليس وليد الصدفه  بل أن الولايات المتحدة الامريكية بإحتلالها للعراق قدمت خدمة جليله لإيران ، إلإ أن إسقاط نظام الرئيس صدام حسين ليس غاية ماتطمح الى تحقيقه الدولتان فحسب بل أن هناك مهاماً أخرى من بينها بناء نظام عراقي ضعيف وتابع ويسهل استغلاله وتفتيته طائفياً  ويتضح ذلك من خلال مباركة إيران لمجمل الخطوات التي قامت بها أمريكا تجاه العراق مثل عدم الاعتراف بشرعية المقاومة وبالمقابل الاعتراف بالحكومة العراقية المنصبه من قبل الاحتلال ودعم ومساندة الانتخابات في العراق المحتل .،إذا أخذنا هذه المؤشرات بعين الاعتبار جاز لنا القول إن ماتخشاه إيران في العراق هو تماماً ماتخشاه أمريكا وفي الواقع ليس هناك من قلق يؤرقهما من إحتمال عودة العراق دولة قوية تستند الى الإسلام أو العروبه أو كليهما ولذلك لاشيء يمنع من توافق الدولتين من أجل الحيلوله دون حدوث ذلك .(5)

  • ثالثاً :_العلاقات السودانية _ الإيرانيه

بدأت مسيرة العلاقات بين السودان وإيران عام 1974 بعد فتح السودان سفاره له في طهران وكان المحرك آنذاك هو تلاقي النظامان (الشاه ونميري) ضمن دائرة النفوذ والتأثير الأمريكي ، ولكن بعد الثورة الايرانية في عام 1979 وإندلاع الحرب العراقية الايرانية إنقطعت العلاقات بين البلدين بسبب وقوف السودان الى جانب العراق ،وبعد الإطاحة بنظام نميري 1985 بدأ الخط البياني لعلاقات البلدين في تصاعد ، فبعد تولي الصادق المهدي السلطه في أعقاب الإنتفاضة قام بزيارة لطهران كان من نتائجها عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين وعلى إثر ذلك فتحت إيران المكتب الثقافي الإيراني في الخرطوم بهدف توطيد العلاقات الشعبية بين البلدين كما تم تكوين جميعة الصداقه السودانية الإيرانية ،وقد طورت إيران علاقتها بالسودان وذلك لان السودان لايمثل مدخلاً للدائرة العربية فحسب وانما أيضاً يشكل مدخلاً للدائرة الأفريقية بحيث حظيت دول مثل ( جنوب أفريقيا والسنغال وأثيوبيا ) بالإهتمام الإيراني ، وقد إستمرت العلاقات في التحسن والتطور وزادت الراوبط بينهما بعد مجيء نظام الإنقاذ في يونيو 1989 والإتجاه الى التعاون متعدد الأبعاد التي تراوحت بين الأقتصاد والسياسة الى البعد العسكري والإستراتيجي وقد قوى الطابع الإسلامي للحكم والموقف الأمريكي من النظام السوداني من العلاقات بين البلدين وذلك لعدة أسباب :_

  • تلاقي الخلفية الفكرية للنظامين .
  • العزلة الدولية التي واجهت كل من السودان وإيران .
  • رغبة البلدين في تعزيز علاقاتهما لمواجهة إفرازات النظام العالمي الجديد خاصة مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة الامريكية ضدهما تحت ذريعة رعايتهما للإرهاب وإنتهاك حقوق الانسان ممايستلزم تنسيق المواقف في المحافل الدولية .
  • رغبة السودان في الاستفادة من الخبرة الايرانية في عدة مجالات .
  • ومماساعد كذلك على تحسين العلاقة الدور الذي قامت به إيران لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين السودان وبعض جيرانه من الدول الافريقية مثل إريتريا ويوغندا خاصة في عهد الرئيس الإيراني رفسنجاني.

وقد كان أكبر مظهر لتحسن هذه العلاقة وتطورها هو في إهتمام البلدين بالزيارات المتبادلة بين رؤسائهم حيث شهدت الفترة الممتده منذ العام 1997 عدد من الزيارات فقد كانت أول زيارة للرئيس محمد خاتمي والتي حاول من خلالها كسر طوق الحصار الذي كان مضروباً على الخرطوم وكذلك في عهد هاشمي رفسنجاني الذي دعم حكم البشير بإعتباره إمتداداً للثورة الإسلاميه كما زار الرئيس أحمدي نجاد السودان عام 2007 بعد عام من زيارة البشير لطهران ، وقد تناولت الزيارة في حينها مسار العلاقات بين البلدين وقضايا المنطقة وفي مقدمتها قضية العراق وفلسطين ولبنان ودارفور بجانب الملف النووي الإيراني .،ولكن الزيارة التي  كانت مساراً للجدل هي تلك الزيارة الثانية لنجاد في سبتمبر 2011 ومارافقها من عقد قمة بين البلدين تناولت معظم الملفات ولكنها ركزت بشكل خاص على تكرار الحديث عن المهددات الخارجية التي تواجه البلدين وإحياء الصحوة الإسلامية ورفع شعارات حماية المسلمين …إلخ ، لكن السودان الذي كان يتوقع الكثير من الدعم الإقتصادي من إيران النفطية خاصة بعد الحديث عن التضخم الإقتصادي السوداني وعجز الميزانية العامة إثر خروج عائدات البترول بعد الإنفصال لم توقع أي إتفاقات تذكر لمواجهة مشكلاته في الداخل ،بيد إن إهتمام ايران وتركيزها على السودان كان يحمل في طياته الكثير من الأهداف الآنية والإستراتيجيه التي تنشدها والتي تتمثل في :_

  • تحاول ايران الانفتاح على أفريقيا سياسياً وثقافياً وإقتصادياً لأن علاقاتها مع الدول العربية الأفريقية ليست على مايرام ولذلك تحاول الإستفادة من وضعية السودان .
  • تحاول السياسة الايرانية فتح مزيد من دوائر التعاون وتهدف الى كسب مزيد من التأييد الدولي بسبب برنامجها النووي وإرسال رسائل للدوائر الغريبة بأن لديها القدرة على الأنفتاح لتغيير الصورة النمطية عنها والتي تصفها بالتشدد .
  • إن إيران تحاول أن تبحث عن بديل لسوريا والأسد في السودان .
  • تسعى جاهده الى خلق تحالف إستراتيجي مع السودان وأصدقائه.

ولكن بالمقابل هل تتوقع إيران من النظام السوداني الذي لم يصمد امام الضغوط  الدوليه وتراجعه من خلال بعض الشواهد التي طبعت مسيرته كما هو الحال بالنسبه لإغلاق مقار المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وإيقاف الإجتماعات واللقاءات  وطرد بن لادن وجماعته خارج السودان وتسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية  …إلخ  ، هل تجد إيران في السودان حليفاً يعتمد عليه ، أم تجاوزت التدقيق في جدية النظام السوداني لانها في حاجه ملحة لبديل والى مجالات أخرى يوفرها السودان (6)إلإ أن العلاقه مع إيران لم تتطور حتى الآن الى مستوى التحالف على الرغم من وجود بعض المؤشرات التي تدلل على التطور في هذا الاتجاه ، حيث تم التوقيع على برتكول عسكري عام 2008 بين البلدين الى جانب تطابق الموقف السياسي من بعض القضايا الدولية، وعلى الصعيد الاقتصادي فتح السودان المجال لإجتذاب الشركات الايرانية لاسيما العامله في قطاع التنقيب عن الذهب  ،فقد منح شركة ايرانية رخصة للتنقيب عن الذهب في ولاية نهر النيل كما توجد شركات إيرانية أخرى التي تدير محطات الوقود مثل شركة النفط الوطنية الايرانية وهناك كذلك تبادل ثقافي بين الدولتين ، إلإ أن مسار هذه العلاقات وتطورها قد قفز الى مستوى أثار جدلاً كثيفاً وأسئلة خطيره تقود الى أهمية إعادة التقييم لماهية هذه العلاقة وقد كان لتصاعد الاحداث الاخيرة بعد القصف الاسرائيلي لمصنع اليرموك للأسلحه والذي كان يحمل رسالة لإيران ((إياك أعني فأسمعي ياجاره)) في إشارة للدعم والمساعدة الايرانية للآله الحربية السودانية ،وقد عبرت ايران عن هذا الموقف في تسييرها لسفينتين حربيتين وعبورها للبحر الأحمر الذي إعتبرته جزء من الدائرة الامنية الايرانية وطلبها من الخرطوم قاعدة في البحر الاحمر ،فقد صرح وزير الخارجية الايرانية في حوار مع الراية القطرية نشر بجريدة القرار السودانية (7) كشف أن هنالك ثلاث دول لم يسمها كانت على علم بموعد الطائرات الإسرائلية قبل أن تتجه لضرب مصنع اليرموك وهو مارآه البعض أن إيران تسعى لخلق توتر بين دول بعينها مع السودان وذلك لمصلحة العلاقة بينهما.

  • ولكن بالمقابل ماذا جنى السودان من هذه العلاقة ؟ وماهو مستقبلها ؟

أولاً:

 على الصعيد العام يبدو للعيان أن إيران تحاول أن تلعب دوراً إقليمياً كقوة لايستهان بها وذلك من خلال وضع إستراتيجية جديده وقراءة جديده للواقع الدولي ، إلإ أن الواقع يقول غير ذلك حيث لاتزال هنالك جفوة وهوه كبيرة تحتاج الى وقت لردمها والتصالح مع محيطها والى حين ذلك ستصبح إيران في نظر محيطها الاقليمي والدولي محل نقد وتوجس من نواحي عده :_

  • إنها قائمة على نظام ولاية الفقيه التي ترسم السياسه الخارجيه لإيران فإن العلاقات معها سوف يشوبها الحذر والشكوك .
  • إن إيران لم تحدث أي إختراق جدي حتى الآن في أكثر من قضية لطمأنة جيرانها العرب تحديداً بل نجدها تغوص في رمال العداء والهيمنه سيما بالنسبة (للبحرين ، العراق ،الامارات ) وذلك في شكل الأطماع في الجزر العربية والبحرين والدور التطهيري الطائفي في العراق
  • إن سلوك إيران من الأحداث الجارية يجعلها أحد أهم مصادر الضغوط في المنطقه،فعزمها على إنتاج السلاح النووي وإصرارها على المطالبه بالجزر الخليجية وتدخلها في الشئون الداخلية لبلدان الخليج من خلال إثارة الأقليات الشيعيه ودعمها وتهديداتها المستمره للبحرين وتحريض المواطنين من الشيعه على الإحتجاجات تقف شاهداً على ذلك.(8)
  • دعمها المكشوف لحزب الله ونظام الأسد والحوثيين في اليمن من منظور طائفي مذهبي يجعلها أمام مسئولية أخلاقية .
  • إذدواجية السياسة الايرانية فهي في الوقت الذي نراها تعاضد أمريكا في العراق وتنفذ ذات الأهداف فإنها بالمقابل نجدها تستجدي أو تحاول تسويق فكرة أن الولايات المتحده الامريكية هي عدوها اللدود والشيطان الأكبر وهذا ماإنطلى على الكثيرين وربما على السودان في نظرته لإيران ومايمكن أن يقدمه من عون ومناصرة أو الدخول معها في تحالف إستراتيجي .
  • على صعيد قضايا العرب لاسيما قضية فلسطين وما أثارته إيران من فتاوى ومواقف لم يبلغ حتى الآن المستوى الذي يتناسب مع خطابها التحريضي والتعبوي بل أن دول في أمريكا اللاتنيه يمكن أن تكون مواقفها موازية لموقف إيران إن لم تكن متقدمة عليها .
  • كما أن غموض برنامج إيران النووي سوف يجعلها في حالة مساءلة على الدوام مما يبعدها عن التأثير والدور الفاعل بل فأن قوتها سوف تتحيد تماماً لتصبح مجرد قوة دفاعية
  • داخلياً فإن تصاعد وتيرة الرفض الشعبي لولاية الفقيه وضع إيران في مرحلة أمام حافة الضغوط ممايعني أن المجازفه مع نظام يفتقر للتصالح الداخلي مع إحتمالات إنهياره أمر يحتاج للتعقل والتأني .

ثانياً :_

على الصعيد المحلي فإن العلاقة المتطورة مع إيران والسماح لها الى العبور أكثر مماينبغي جلب للسودان المزيد من العزلة والتباعد الإقليمي والدولي وأصبح مكان إتهام ومراجعة خاصة بالنسبة للدول الشريكه في القضايا ذات المساس بالأمن القومي والأفريقي وأن هذا الانفتاح لم يقدم أي شيء يذكر على صعيد أزمات السودان مقارنة مع بعض الدول وهذا مايمكن ملاحظته من خلال :_

  • فقد السودان بهذه العلاقة السند الدولي والأقليمي وعدد من الدول العربية عند إقدامه دون تنسيق لمجمل الإعتبارات التي تتقاطع مع السياسة الإيرانية في المنطقه وخاصة دول الخليج كالسعودية والامارات الى جانب مصر العمق الإستراتيجي للسودان لأن أي تطور في هذه العلاقة نلاحظ إنعكاس سلبي للعلاقه بدول الخليج ،ويبدو أن النظام غير مدرك لمدى حساسية العلاقة الإيرانية مع دول محيطها العربي وذلك لأسباب في غاية التعقيد ، بل والأكثر خطورة هو أن تعبر دول الخليج أن علاقتها مع السودان غير إستراتيجيه في مواجهة إيران وربما  هذا مايفسر إعتراض المملكه العربية السعوديه طائرة الرئيس عمر البشير ومنعها من مواصلة رحلتها الى طهران بمناسبة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد (( حسن روحاني )) ، وقد مثلت هذه الحادثه منعطفاً جديداً في مسار العلاقات بين البلدين .
  • إن إيران تبحث عن بديل لسوريا في السودان لذلك يرى البعض في هذا التحالف الجديد حصاراً لمصر والخليج بمعنى أن أي إقتراب من إيران يزيد السودان بعداً عن محيطه العربي والأفريقي .
  • العلاقات الاقتصادية بين البلدين لاتتناسب مع مستوى العلاقات السياسية إذ لايتعدى حجم التبادل التجاري 150 مليون دولار سنوياً ولوجود صعوبات في هذا الجانب في الوقت الذي كان السودان يتوقع دعم لامحدود من إيران لمواجهة المشكلات الإقتصادية المتفجرة ولكن ذلك لم يظهر ، حيث ظلت الديون الإيرانيه المترتبه على السودان تشكل عقبة أمام تطوير علاقه إقتصادية أكبر ، إذ تعسر السودان في دفع الديون وحاول جدولتها وسدادها إلا أن إيران ظلت تشترط دفع هذه الديون قبل تنفيذ أي مشروعات جديده ، وبالمقابل بلغ حجم الإستثمارات الخليجيه 16 مليار دولار أهمها ( الكويت ، قطر ، السعودية ، الأمارات )الأمر الذي سيشكل ضغطاً إقتصادياًعلى السودان إذا ماسحبت هذه الإستثمارات الكبيرة .
  • على مستوى العلاقات الثقافية لاتتعدى البعثات التعليمية ولكن بالنسبة لإيران فإنها قد وظفت هذه العلاقه في التمدد والإنتشار الشيعي في ربوع السودان كما حدث أن فوجيء زوار معرض الخرطوم الدولي للكتاب في الجناح الخاص بإيران وحزب الله وجود كتب تتعرض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد على فرية تحريف القرآن الكريم مما أثار حفيظة الجمهور وهددوا بحرق المعرض مالم ترفع هذه الكتب ويغلق هذا الجناح ويفتح تحقيق في كيفية السماح لها بدخول السودان ، فقد عقدت الجماعات الإسلامية مؤتمراً صحافياً بمعرفة السلطات فيما أسموه بالخطر الشيعي في السودان وطالبوا بإغلاق المستشاريه الثقافية الإيرانيه في الخرطوم ، وأصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع للرئاسة بياناً حمل ذات المواقف ، ولكن يبدو أن المخاطر التي تواجه البلدين دفعتهما الى تجاوز القضايا المعقده أو تجميدها على الأقل لمجابهة العدو المشترك .(9)

 خاتمة: استحالة تطور العلاقة في ظل السياسة الإيرانية الراهنه

لهذه الاسباب وغيرها فإن إيران سوف تظل دولة حبيسه ومعزوله وبلا تأثير دولي أو إقليمي في القضايا المطروحه دولياً رغم حجمها وموقعها الإستراتيجي طالما تسير على ذات النهج في سياستها الخارجية ولهذه الأسباب أيضاً ماذا سيستفيد نظام الإنقاذ من تطوير علاقة إستراتيجية بإيران ؟؟ من المعلوم أن إيران  تقدم للسودان خدمات في المجال العسكري وهي حليف لروسيا والصين ، لذلك قد يستفيد السودان من العلاقه مع إيران في المدى القريب ولكن الضرر على المدى البعيد سيكون فادحاً ولايمكن معالجته بسهوله إن لم يتم تدارك ذلك بإعادة النظر في نوع العلاقه مع إيران وأن أفضل الخيارات هو الإحتفاظ بعلاقه جيده مع إيران مقابل البقاء على مسافة تسمح بطمأنة الآخرين ،لأنه من الواضح إذا سمحنا لإيران فإنها سوف تجر المنطقه كلها الى مزيد من الاحتقان والتوترات كما تزيد من عزلة النظام عربياً ودولياً هذا الى جانب أن النظام بحاجه الى فك الإختناق وأن مجاله الحيوي الحقيقي هو في إستعادة علاقاته الأزليه مع محيطه العربي والإفريقي لأن إيران لن تستطيع أن تكون عنصر إيجابي وحالة يمكن الإعتماد عليها في معالجة المشكلات  ذات الإرتباطات بقوى أخرى وإذا أجرينا جرد حساب فإن الخسارة أعظم وذلك لأنها على الصعيد السياسي والإستراتيجي جلبت للسودان المزيد من التباعد والعزله والإتهامات ودون أي مقابل لذلك على المستوى الإقتصادي والثقافي ،وأخيراً فإن النظام الذي أدمن البحث عن احلول لمشكلاته من الخارج مطالب بإنهاء هذه الحاله والتصالح مع الشعب والقوى الوطنية والديمقراطية وإشراكها في عمليات الحل بتغير سياسات الإقصاء والحلول الجزئية والثنائيه للمشكلات وعموماً فإن مراجعة جاده لهذه العلاقه وفق قراءة لمساراتها التاريخية سوف تكشف هشاشة المسوغات التي بنى عليها النظام هذا الأنفتاح والتطبيع الكامل مع إيران ودون النظر لتآكل علاقاته الأخرى سيما مع دول الخليج أي حالة الفتور بدأت تظهر منذ تطور العلاقه بإيران .

 

  • هوامش وإحالات :
  1. د. حيدر إبراهيم علي (العلاقات الايرانية السودانيةوالعجز المتبادل ،10/4/2011sudan@yahoo.com
  2. شفيع بومنيجل (خلفيات المواقف الايرانية تجاه العراق المحتل :محاولة لفهم الدوافع ((المستقبل العربي العدد 316حزيران يونيو2005
  3. حمود سريع القلم (الأمن القومي الإيراني ،،المستقبل العربي العدد 279 أيار مايو2002
  4. كاتب المقال هو :زيغينو برجنسكي ، مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي وآخرون
  5. شفيع بومنيجل ((مصدر سابق ))
  6. د. حيدر ابراهيم (( مصدر سابق ))
  7. جريدة القرار السودانية
  8. محمد بن صنيتان ((مستقبل الانظمة الخليجية والمتغيرات الإقليمية والدوليه ((المستقبل العربي العدد 395 كانون الثاني يناير 2012
  9. النور احمد النور (( السودان وإيران تجمعهما (المصيبة ) الديون والتشيع ،أزمة صامتة في العلاقات ((جريدة الحياة ))

 

د. يوسف آدم الضي . باحث في العلاقات الدولية

Yousifabusors78@gmail.com

 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.