كتب هذا المقال قبل أكثر من عام عند بداية الحوار الوطني (حوار القاعة ) في أكتوبر 2015 ، ولأهمية ماجاء فيه نعيد نشره مرة أخرى.
الحوار….. دوافع واتجاهات.
_______________________________________
د.أحمد بابكر
في خطاب الوثبة الشهير في 2014، والذي أتى بعد هبة سبتمبر 2013، طرح رئيس الجمهورية الحوار كمدخل لحل الأزمة السودانية.
وهذه محاولة لاستكشاف دوافع وأهداف القوى المشاركة والقوى التي سوف تلحق أو تلتحق بالحوار فيما بعد.
بداية، هذا الحوار هو إرادة أمريكية بالدرجة الأساس.
لماذا وكيف؟
للإجابة على ذلك، قبل كل شيء نرجع لتصريحات المسؤولين في واشنطن وعلى رأسهم المبعوث الامريكي الخاص بالسودان، والذي استهل إفادته بأنهم ليسوا مع إسقاط النظام وإنما مع الحل السياسي الشامل،
لتتطور التصريحات بأنهم لن يسمحوا بإسقاط النظام بالقوة حتى لا تحدث فوضى يمكن أن تؤدي إلى عدم إستقرار بالمنطقة.
ولفهم الموقف الأميركي يجب التوقف عند دوافعه وأسباب حماسه للوقوف مع حوار الوثبة:
1. أمريكا والقوى الدولية الغربية باتجاه رسم خارطة جديدة للمنطقة،
حيث تجسدت هذه الرؤية على أرض الواقع بغزو أفغانستان والعراق، ويجري العمل الآن في ليبيا وسوريا وغيرهما.
2. رسوخ اليقين الامريكي بقدرته على توجيه هذا النظام لتنفيذ مخططه التفتيتي في السودان وفي الإقليم،
والذي أختبروه وبكفاءة عالية في عملية فصل جنوب السودان وفى تدخلاته لإثارة الفوضي في دول الجوار مثل ليبيا وأفريقيا الوسطي.
وتعرف امريكا جيداً أن نظام الإنقاذ كل هدفه البقاء في السلطة فتستخدم معه أسلوب العصا والجزرة بكفاءة تحسد عليها.
وفيما يخص القوى السودانية المشاركة في الحوار، نجد أن:-
* الإنقاذ (المؤتمر الوطني):
أدركت انها فشلت بامتياز وأنها تسقط نحو الهاوية بسرعة رهيبة وتواجه خطر إقتلاعها بواسطة ثورة شعبية توفرت كل أسبابها (أقلها الجوع)، ولذلك كان إلتقاء الدوافع مع الأمريكيين بهدف تغيير جلدها عبر عملية تبييض سياسي وأخلاقي مع احتفاظها بكل مرتكزاتها.
* المؤتمر الشعبي له دوافع عديدة:
1. ماحدث للتيار الإسلامي في الإقليم.
2. جماهيرياً لم يستطع أن يفك ارتباطه بالانقاذ وفشلها بإعتباره المؤسس والمنتج للإنقاذ.
3. الخوف الذي اعتراه بعد هبة سبتمبر 2013 و إمكانية اقتلاع النظام ومحاسبته على الاشتراك في جرائم العشرية الأولى أو صمته عليها وتركها تحدث بالإضافة للجريمة الكبرى، أي إنتاج الانقاذ.
4. استباق أي عمل شعبي آخر عبر تحريك الساحة وإنتاج بديل لايقصيه.
*الحركات المسلحة:
تاريخياً لم تستطع كل الحركات المسلحة منذ تمرد توريت 1955 أن تحدث أي اختراق أو نصر حاسم أدى إلى تغيير السلطة في الخرطوم، بل بالعكس دائماً ما كانت النتيجة النهائية هي التسوية مع النظم الديكتاتورية،
والتي استندت جميعها على حلول جزيئة وجهوية ومناطقية، استفاد منها قادة وزعماء الحركات بشكل أساسي ورئيسي.
والآن كل الحركات وصلت إلي طريق مسدود، وخاصة الحركة الشعبية التي أصبح وجودها خصماً على الإستقرار والتنمية والأمان لسكان مناطق النزاع المقصودين بالتحرير والتنمية والأمان والاستقرار.
بل أكثر من ذلك نجد أن الحركات المسلحة جميعها قد دخلت في حالة تشظي أميبي لتصبح معبرة عن قبائل أكثر من أي شيء آخر.
كل ذلك شكل دافعاً للتوجه للحوار، أي التسوية، خاصة وهي تستند علي أمثولة نيفاشا الكارثة.
* قوى نداء السودان:
هذه القوى تشكلت كمخاض لعمل كبير ومستمر قام به السيد الصادق المهدي، والذي خرج من أجله من البلاد وذلك لتوحيد منصة للتفاوض مع النظام لإنتاج تسوية لايمكن أن تحدث إلا عبر إيجاد جسم موحد يجمع القوى المدنية بالحركات المسلحة.
وبدأ ذلك بإعلان باريس وتلاه بنداء السودان الذي يستند على القرار الافريقي (456) وهو الذي يشكل الأرضية الأساسية للتسوية بسند الأسرة الأفريقية وخلفها الترويكا الأوروبية الأمريكية.
وهنالك قوي الإجماع الوطني داخل نداء السودان، بعضهم حسم أمره بالذهاب إلى التسوية وبعضهم سيتراجع.
والمجموعة الأولى تسعى للدخول في التسوية خوفاً من التغيير الشعبي، لأنها تخشى أن يشملها التغيير نفسه وهي تتكئ علي نفس المبرر الامريكي وهو الخوف من الصوملة والحالة السورية والليبية.
وبرغم أن الحوار قد بدأ فعلياً في قاعة الصداقة في العاشر من اكتوبر 2015، بحضور المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني وشخصيات وأحزاب تم صناعتها أو استقطابها عبر السلطة، إلا أننا نلاحظ الآتي:
أن كل قوى نداء السودان المدنية والمسلحة رفضت الدخول في حوار قاعة الصداقة، وتمسكت بالمؤتمر التحضيري المتفق عليه بأديس أبابا مع الحكومة وأمبيكي.
بدأ حوار القاعة بديناميكية كبيرة من المؤتمر الشعبي -سيد حوار القاعة- وذلك لتجييره لمصلحته حسب ماذكرنا سابقاً،
إلا أن المؤتمر الوطني ورئيسه فطنوا لما يمكن أن يورطهم فيه المؤتمر الشعبي، ( أي تشكيل حكومة انتقالية لا يرأسها البشير، أو لا يكون لديه كلمة فاصلة عليها.)
وعليه فإن المؤتمر الوطني يريد من حوار القاعة مظاهرة اعلامية وتفويض من كثير من الشخصيات والقوى التي أستقطبها لاستخدامه في المناورة والمساومة خاصة مع الحركات المسلحة في حوار أديس أبابا المنتظر (أي في المؤتمر التحضيري) ،
فيما المؤتمر الشعبي حاول ومازال يحاول كبح خط الوصول الى أديس ابابا لأنه سوف يخرج من اللعبة ودائرة التأثير نهائياً، لأن السلطة سوف تتعامل مباشرة مع الحركات والصادق المهدي تحت رعاية المجتمع الدولي،
وهنا ربما يقال للمؤتمر الشعبي شكر الله سعيك.
إذاً مربط الفرس هو الحوار المرتبط بالرؤية الامريكية ( حوار أديس ابابا ومتناسلاته)،
وهو أحد بل أهم مآخذ هذا الحوار والذي سوف يقود، إن نجح، إلى نيفاشا جديدة أو نيفاشا 2.
إذاً، ماهي النتائج المتوقعة للحوار؟
بالنسبة للمؤتمر الوطني:
1. الإبقاء على الإنقاذ مع توسيع ماعون المشاركة.
2. الإبقاء على المؤتمر الوطني كقوى سياسية فاعلة في الساحة.
3. وقف الملاحقات الدولية لرأس النظام وقادة المؤتمر الوطني وبعض أركان حكمه، وكل من تشملهم القائمة قبل الامتثال لخط التسوية الامريكية.
4. فك الحصار الإقتصادي الأمريكي.
5. شرعنة الإنقاذ وإفلاتها من المحاسبة، وإحتفاظ المؤتمر الوطني وأعضائه بكل الامتيازات المتراكمة منذ 1989.
وفيما يتعلق بالقوى المدنية في نداء السودان وخاصة حزب الأمة القومي:
سوف يضمن شراكة كاملة وبشرعية دولية، وشرعية الاتفاق مع القوي المسلحة تحت غطاء السلام ووقف الحرب.
وبالنسبة للحركة الشعبية قطاع الشمال:
إن هدفها الأكبر هو الوصول للحكم الذاتي تمهيداً للإنفصال، وربما الإلتحاق عبر كونفدرالية مع دولة جنوب السودان لاحقاً، لتحقيق هدف استراتيجي ربما يكتمل بضم دارفور للكونفدرالية الجديدة.
وعلى صعيد حركات دارفور:
سوف تعمل على الخروج بوضع خاص ضمن السلطة المركزية، خاصة في موضوع السلطة والثروة، وتحقق ذلك بالبقاء في السودان أو التميز عنه ثم الانضمام لتلك الكونفدرالية.
استناداً لما سبق يمكننا الوصول للنتائج التالية:
1. إن هذا الحوار هو محاولة لإخراج كل أطرافه المشاركة من أزماتها الخاصة، وليس إخراج الوطن من أزمته.
2. ترسيخ الجهوية والمناطقية كأساس لحل أي مشكلة لاحقاً،
وهو المنطق الذي سوف يقود إلى ديمقراطية المحاصصة والتي تصب في مصلحة القيادات والزعامات القبلية والمناطقية.
3. توسيع قاعدة المشاركة لن يترتب عليها مساس جدي بمركز صنع القرار،
ولا تغيير جوهري في توجهات النظام الإقتصادية والإجتماعية،
لإنتفاء الإختلاف الجذري بين المتحاورين من جهة، ولاستحالة المساس بمصالح قوى الدفع الامريكية والغربية من قبل أطراف التسوية، من جهة اخرى.
ولو تحقق هذا يجب أن نقيم سرادق عزاء كبير للديمقراطية، وعلي الأرجح للوطن الواحد
Leave a Reply