برز خطان سياسيان يمثلان خطاب الحركة الإسلامية في السودان منذ الأيام الأولى لانقلاب الإنقاذ على السلطة الديمقراطية، الأول خطاب داخلي يعني أعضاء الحركة وهو غير معني بمثل وأخلاق الاسلام، دافعه المنفعة الشخصية ويمتاز بالوصولية والذرائعية، والثاني خطاب منبري مخاتل مقطوع الصلة بالخطاب الأول وموازيا له، وهو في مجمله خطاب متزن شكلاً، هدف بشكل أساس لإعطاء مظهر تطهري زائف لأعضاء الحركة الاسلامية، وتصويرهم بصورة الحريصين على الأمة ومصالحها.
وظل التناقض يكبر ويتضخم بين الخطابين مع مرور الزمن، وبالتالي تفرعن الخطاب المنبري على ضوء حاجة الحركة للاختلاق للتغطية على الخطاب الآخر، الذي بدوره تحول إلى سلوك لكل أعضاء الحركة الإسلامية إلى يومنا هذا، وأصبحت الحركة الإسلامية تعيش واقعا زائفا تصوره الخطب والهتافات عند الحاجة، وهو واقع هلامي غير مرتبط بالحياة وضروراتها، بينما هيأ لهم السلوك التبريري المرتبط بالخطاب الداخلي منافع ووظائف وامتيازات، حتى على مستوى التعليم العالي، إذ يكفي، مثلا، أن تسجل كمتطوع للحرب حتى تجد نفسك ناجحا في كل موادك الدراسية.
بدأ بروز هذان الخطان بالمقولة التي نسبت إلى عراب الحركة الإسلامية، حين قال (اذهب الى القصر رئيسا وسأذهب إلى السجن حبيسا)
هذا الانفصام الحاد الذي وسم الحركة الإسلامية ومنتسبيها، واتساع الشقة بين الفعل (السلوك) والنظرية (الخطاب المنبري) هو في النهاية الذي قاد إلى الأوضاع الحالية، فالتأسيس النظري لم ينبني إلا على الحاجات الخطابية التي يقتضيها التحشيد الإعلامي للتغطية على سوءة ما، اقترفها أحد عناصر الحركة في أحد مرافق الدولة، حتى صاروا يحتفلون بالأحكام القضائية التي عجزت الأدلة عن ربط أحدهم بالتهمة الموجهة له، قصور الأدلة وليس تأكيد براءة هذا أو ذاك من مرتزقي المال العام وناهبيه.
أن أول مظهر للسلوك الشائه الذي ميز أعضاء الحركة الإسلامية في البدايات الأولى من الانقلاب، هو تخطيهم رقاب الناس في المساجد والاصرار على الوصول إلى الصفوف الأمامية مع انهم آخر الواصلين إلى المسجد مثلا، بل إصرار بعضهم على إمامة الناس في المساجد رغم عدم رضا المصلين، ويحكى أن أحد أولئك أصر على إمامة الناس في الصلاة في مسجد أبوجبيهه العتيق فانسحب أحد المصلين رافضا هذا السلوك فما كان من الامام إلا اعتقاله! وليس بعيدا عن ذلك أن أحد قادة الحركة حجز له مكانا دائما خلف شيخ الزين، مع أن ذلك أمر منهي عنه دينيا، بل أن حراسه كادوا يفتكوا بمصلي تصادف وجوده خلف الشيخ لحضوره المبكر الذي هيأ له الوقوف خلف الشيخ، وهذا السلوك هو الذي انسحب على مؤسسات الدولة بدعوى التمكين فأحدث دمارا في المؤسسية والنظم واللوائح التي تنظم ذلك، وبات هذا السلوك الشائه والمخاتل هو التذكرة المبدئية التي تقود إلى التوظيف والتمكن على حساب الكفاءة والمهنية والنظم.