التغيير الوطني وأوجه القصور

التغيير الوطني وأوجه القصور

بقلم: مهندس اليسع عبدالرازق

كنا نتحدث كثيراً تفاعلأ ايجابياً مع الراهن السياسي، وما تعلمناه بعدها أن الثورة تحدث عندما يتقاطع الظرف الذاتي مع الظرف الموضوعي، ولتسهيل توصيل المراد مما أكتبه أبدأ بشرح الظرف الموضوعي، وهو السبب أو جملة الأسباب التي تكون مبرراً للشعب وليس للقوى المنظمة أو الطليعية، إذ يختلف عندها تقييمها تبعاً لدرجة وعيها واختلافه عن بقية الشعب مبرراً لأجل التغيير من واقع سيئ لواقع أفضل، فما كانت تدعوه النخبة قبل عشرات السنوات بانه ظرف موضوعي، ويجب تغيير السلطة الكيزانية وفق ذلك لا يراه في نفس التوقيت غيرها بأنه ظرف موضوعي حرج يتطلب التغيير، وبعد مرور قرابة الثلاثين عاماً على استبداد سلطة الحركة الكيزانية وثبيت فشلها المستمر يظل الظرف الموضوعي أكثر الحاحاً في التغيير من سابقه، وأكثر اتساعاً أيضاً، لتصبح الحالة والمزاج في الشارع الشعبي، كمتفق عليه، هو الانقضاض على النظام مهما كانت بدائله.
أما الظرف الذاتي هو الحالة النفسية و{الوعيوية} التي يصلها كامل أو معظم الشعب في أن يقدم كل ما لديه من تضحيات في سبيل ذلك التغيير.
الحالة الذاتية قد تختلف من مكان جغرافي لآخر ومن تاريخ أو حقبة لأخرى وبالتالي من شعب لآخر، فما تحركه، كمثال، ثورة شعب تونس لا تحركه ثورة شعب مصر، ولا السودان، وما حركته أكتوبر من ظروف موضوعية وذاتية لم تحركه الآن في الوقت الراهن. هنا مربط الفرس لكبح لجام المحبطين من قدرة الشعب يوماً ما على التغيير. فالشعب السوداني ظرفه الذاتي الذي يخصه وفق تغييرات الزمان والمكان والمتغيرات الثقافية للشعب نفسه تعطل انجازها ولكن لم يؤجل، هنا تحدث الكثيرون من المحبطين والمصابين بيأس التغيير والانتفاضة ضد هذا النظام القابع على ظهر الشعب ثلاثين عاماً ان للشعب وقته وتوقيته الذي سيملأ فيه الشوارع ضجيجاً وهديراً لا توقفه كل جيوش النظام المرتعدة.
لم تكن ظروف انتفاضة أبريل 85 نفس ظروف انتفاضة أكتوبر 64 ولكن لكل منها ضغوطات وأحوال سياسية واجتماعية واقتصادية، أضرت بكاهل الشعب ولكنها تشابهت في الحالة العامة من حيث الغليان الشعبي ضد النظام وفشل الأنظمة المتسلطة في ايجاد مخرج، وحتى فداحة اجراءات النظام نفسه لتأمين وتركيز سلطته حدثت الانتفاضات التى أطاحت بالنظم المستبدة وأبدلتها بنظم ديمقراطية تعددية.
تظل للقوى المنظمة المعارضة للنظام الحاكم وسائل أو ادوات التوصيل التي تسعى دائماً للوصول للشعب وتجعله يتقاطع في حالته النفسية والتوعوية مع خط الحالة السياسية والاقتصادية المعيشية والاجتماعية الضاغطة، فمتى ما نشطت تلك القوى وزادت فعاليتها في ذلك كلما عجلت بحدوث التغيير.

لماذا تأخرت الثورة؟

وفق ما سبق هنالك عوامل تعمل فى تعطيل أو تسريع عملية التغيير والثورة في حال توفر الظروف الموضوعية لقيامها.
فالظلم الذي وقع على الفئات المهنية الى الآن منذ تغول الانقاذ وتفكيك نقابة الفئة وتحويلها الى نقابة المنشأة أضر كثيراً بتسارع انجاز الثورة اذ أن النقابات كانت هي عجلة القيادة الأمامية في كل الاحتجاجات التي انتصر فيها الشعب وهي معضلة اعتقد لازمت القوى السياسية المعارضة فلا هي استطاعت تكسير قانون نقابة المنشأة رغم مرور 29 عام على تنفيذه ولا هي استطاعت تكوين أجسام بديلة قوية تستطيع بها قيادة دفة الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات، عدا بعض الاشراقات هنا وهناك بل أن القطاع الطلابي كان أكثر انجازاً في هذا المجال من غيره، هنالك سبب آخر هو تذبذب مواقف بعض قوى المعارضة تجاه سبل ووسائل التغيير، جعلها تعيش فرقة وشتات سياسي عطل وحدة المعارضة واتصالها الجماهيري، ثم مراهنة قوى معارضة بعينها على التدخل الدولي والاقليمي لأجل المساعدة في التغيير لصالح الجماهير ناسية في الوقت نفسه أن مواقف المجتمعين الدولي والاقليمي تتأرجح كثيراً تجاه النظام نفسه، بسبب مصالحها المتغيرة، لكن يظل العامل الشعبي والغليان والتحرك العفوي هو المحدد لوجود النظام كما أثبتت التجارب، وأن القوى المعارضة المختلفة في الوسائل نفسها تقف موحدة في حضرة الشعب وتصبح القوى المهادنة في موقف المتصلب أمام هدر الجماهير.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.