تمهد: أیها الأخوة في العروبة ویا زملاء النضال، لقد جاء الوقت المناسب لنبدأ مرحلة جدیدة في نضالنا الثوري من أجل تأكید عروبة شعبنا، ومحاربة الأوضاع الانفصالیة، والدیكتاتوریة، والطائفیة، والقبلیة، والاستغلالیة المفروضة على شعبنا.. تلك الأوضاع الفاسدة التي تباعد بین شعبنا وبین حقیقته العربیة ورسالة امتنا الخالدة. لقد كانت المرحلة السابقة في تاریخ جبهتنا تقوم على محاولة تجمیع الطلائع العربیة الطلابیة في مختلف المعاهد، والجامعات من جهة.. كما تقوم علي النضال السیاسي لرفع الشعارات القومیة العربیة المعادیة للاستعمار والدیكتاتوریة والإقلیمیة والرجعیة من جهة أخرى. ولقد كان واضحا لنا جمیعا أن هناك جانبا كبیرا من جوانب نضالنا لم یجد منا العنایة الكافیة.. ذلك هو جانب البناء العقائدي والتخطیط السیاسي المدروس.. لقد كان انطلاقنا في السابق أقرب ما یكون إلى العفویة.. لقد استیقظت طاقاتنا الثوریة بطریقة عفویة وانطلقنا لنعلن عن اتجاهنا ولنسهم في نضال شعبنا السیاسي من أجل الحریة والدیمقراطیة.. وهذا أمر طبیعي في البدایة، لأن العفویة هي التعبیر الأولي الصحیح عن طبیعتنا الخیرة وعن بذور الثورة الكامنة في جیلنا.. ولكن هذه العفویة لابد أن تتسلح بعد حین بالوعي والعقائدیة والعلمیة، والخط السیاسي المدروس، وإلا فإننا سنصبح عرضة للتخبط والانحراف وشیوع روح الیأس.. وما دمنا نعني كل هذا أیها الزملاء فلن نجد ما یبرر استمرار مرحلة العفویة.. علینا اليوم، ولیس غدا أن نبدا مرحلة جدیدة في نضالنا الثوري.. هذه المرحلة یجب أن تتمیز بما یلي: أولاً: -1 استمرار نضالنا السیاسي ضد الدیكتاتوریة العسكریة بكل ما نملك من نضالیة وإبداع. -2 استمرار عملنا الدائب لتوسیع تنظیماتنا وفروعها لتشمل بقیة المدارس الثانویة جمیعها. _3 استمرار نضالنا لنشر الوعي التقدمي ودعم القضایا العربیة في كل أقطار الوطن العربي. ثانياً: یجب أن نبدا فورا في استكمال النقص الذي نعانیه، وذلك باعداد الدرسات العقائدیة الجادة وتداولها ودراستها في تنظیمات الطلیعة التقدمیة العربیة واستكمال تحلیلاتنا القومیة والقطریة. وفي هذه النشرة نبدأ بتحلیل سیاسي مفصل للأوضاع في قطرنا، بما یشمل الموضوعات التالیة: 1ـ مقدمة 2- النظام العسكري جرائمه والقوى التي تسنده. 3- العوامل التي تعوق النضال الشعبي من أجل الدیمقراطیة والاطاحة بنظام 17 نوفمبر وسنجملها فیما یلي: أ- هیمنة حزب الأمة على الجبهة الوطنیة.. وإقحامها في القوي الوطنیة الدیمقراطیة. ب- جمود قیادة الحزب الوطني الاتحادي وانتهازیتها. ج – طبیعة الحزب الشیوعي و أخطائه. د- افتقار النضال الشعبي إلى المبادىء النضالیة السلیمة والاستراتیجیة والخطة.
المقدمة: نضال شعبنا ضد الاستعمار: لقد كان نضال انتصار شعبنا ضد الاستعمار البریطاني نتیجة حتمیة لوحدته، ونضال جماهیره الشعبیة من العمال والمزارعین والمثقفین والطبقة المتوسطة، ولقد تحملت جماهیر الطلاب جانبا كبیرا من مسؤولیات هذا النضال لأنها بطبیعة تكوینها انعكاس لكل قطاعات جماهیرنا الشعبیة.. كما أن تضامن شعوب الأمة العربية، لا سیما مصر، مع شعبنا في السودان قد أسهم كثیرا في تحقیق انتصارنا الحاسم. ولقد فهمت جماهیر شعبنا الواعیة أن انتصارها على الاستعمار یعني: أولاً: استقلالنا الوطني وزوال التسلط الأجنبي. ثانياً: یهيئ الظروف الملائمة لبناء مجتمعنا على أساس قومي اشتراكي دیمقراطي شعبي. ثالثاً: بدایة التفاعل الحقیقي مع النضال الشعبي وأهدافه، لنصبح قادرین من جدید على المساهمة في بعث الأمة العربیة لتردي رسالتها الخالدة في أغناء التراث الإنساني، ودعم نضال الشعوب من أجل الحریة والتقدم والسلام.
اخطاء الحركة الوطنیة بعد الاستقلال: غیر أن الحركة الوطنیة بعد الاستقلال تردت في أخطاء جسیمة، أفقدت انتصار شعبنا علي الاستعمار جانبا كببراً من معناه، وأهم هذه الاخطاء هي: 1ـ لقد عزلت حركتنا الوطنیة نفسها عزلة تامة عن حركة النضال الشعبي العربي في المشرق والمغرب العربیین، والقیادات التي كانت تنادي بنوع من الاتحاد مع مصر فهمت هذه الدعوة فهما إقلیمیا ضیقا وفشلت في ربط هذه الدعوة بحركة القومیة العربية، لأن منطلق هذه القیادات كان منطلقا عاطفیا واقلیمیا، وخاویا من أي مضمون شعبي اجتماعي یربط بین الوحدة ومصالح الجماهیر الكادحة.. هذا بالاضافة إلى انتهازیة القائمین بهذه الدعوة وخوائهم العقائدي.. كما أن الحركة الوطنیة لم تستطع القیام بواجبها نحو حركات الكفاح ضد الاستعمار في أقطار أفريقيا و آسیا الأخرى. 2- لم تستطیع الحركة الوطنیة عندنا أن تجعل من نفسها امتدادا ثوریا لثوراتنا الوطنیة السابقة، ابتداءً من الثورة المهدیة، ثم ثورة 192، إلى انتفاضة الجماهیر قبیل وعقب الحرب العالمیة الثانیة. ذ و بذلك فقدت الحركة الوطنیة جذورها أو كادت. 3- لم تطرح حركتنا الوطنیة الشعارات اللازمة للمرحلة الجديدة (مرحلة ما بعد الاستقلال).. فأفسحت بذلك المجال للتشویهات العمیقة التي أصابت الحیاة الدیمقراطیة على أيدي الحكومات البرلمانیة المتعاقبة، كما أنها تجاهلت تماماً تطلعات الشعب إلى تغییر جذري شامل في الأوضاع الاقتصادیة والاجتماعية الموروثة، واكتفت بشعارات إصلاحیة جزئیة، في إطار الأوضاع الفاسدة السائدة. 4- عدم طرح الشعارات الثوریة اللازمة، جعل قوى الحركة الوطنیة تتصادم مع بعضها في غیر معترك جدي، و تتخبط في سیاستها القومية. 5- و أخیرا فإن الأحزاب الرئيسة في الحركة الوطنیة لم تكن قادرة على الاستمرار بعد زوال الاستعمار. وذلك راجع إلى أنها، شأنها شان سائر الأحزاب التقلیدیة في أنحاء الوطن العربي، تتمیز بخصائص سلبیة متعددة تعوق تطورها.. فالأحزاب التقليدية في مجموعها تتمیز بما یلي: أولاً: إنها أحزاب شخصية، ولیست احزاب مبدئیة، أي إنها تقوم على الإيمان بالأشخاص، لا المبادئ والبرامج. ثانياً: إنها احزاب تاریخیة رجعیة، نشأت في فترة النضال ضد الاستعمار، ثم استمرت رغم زوال الاستعمار، ورغم تعقد مشاكلنا العامة، تعالج الامور بنفس الأساليب القدیمة، فتركت المجتمع یتطور، وقبعت هي حیث تأسست. ثالثاً: إنها أحزاب برجوازیة أو اقطاعیة، یقودها ویرأسها الاقطاعیون البرجوازیون. وهؤلاء بما یملكون من مال وسلطة، ونفوذ قادرون على تحطیم العناصر الشعبیة الجدیدة التي تحاول الوصول للمراكز القیادیة في الحزب، وهم یعملون على إبقاء الأمر كله بید الذین یحافظون على مصالحهم الشخصیة، وزعاماتهم، أكثر من محافظتهم على مصالح الجماهیر، وهذه الأحزاب بطبیعتها هذه غیر قادرة على الاتصال بالجماهیر اتصالا حقیقیا ایجابیا، وهي بعیدة عن تفهم روحها ومشاكلها، لا سیما بعد انقضاء العامل المشترك بین هذه الأحزاب والجماهیر، ألا وهو الكفاح ضد الاستعمار. رابعاً: إنها أحزاب دیكتاتوریة، لا حد لسلطان رؤسائها وقیاداتها، ولا تسمح لجماهیر الحزب وقواعده بأن تحاسبها أو تراقبها أو تشرف على أعمالها، وتحرص دائما على أن تظل قواعدها وجماهیرها كتلا مشتتة منفعلة، ویقتصر دورها على التأیید والإيمان الأعمى بزعامة الحزب. هذه الخصائص المشتركة بین الأحزاب التقلیدیة في كل أرجاء الوطن العربي كانت، وما زالت، منطبقة لأبعد الحدود على الأحزاب الوطنیة الرئيسة في بلادنا، وهي الحزب الوطني الاتحادي، وحزب الشعب الدیمقراطي، فإن هذه الخصائص التقلیدیة في أحزابنا أدت إلى عزل الشعب عن دوره الايجابي، وحاولت هذه الأحزاب أن تبقي الشعب كاملا منفعلا، وعزلته عن التفاعل مع الحركات الشعبیة الثوریة في بقية الأقطار العربیة، ولكنها في نفس الوقت عزلت نفسها وقیاداتها عن الشعب وعن جماهیره المناضلة. وهكذا عندما تآمرت قیادة حزب الأمة، الإقطاعي والطائفي المعادي للدیمقراطیة والمصالح الشعبیة، مع قاعدة الجیش، وفرضت الدیكتاتوریة العسكرية، وجدت قیادات الأحزاب التقلیدیة، ولا سیما الوطني الاتحادي، نفسها معزولة تماماً عن الجماهیر وغیر قادرة على الاتصال بها وتحریكها.
انتكاسة 17 نوفمبر 1958م: من الواضح إن مسؤولیة قیام النظام العسكري تقع اساسا علي عاتق حزب الأمة وعلى مجموعة الأخطاء التي تردت فیها الحركة الوطنیة بعد الاستقلال.. تلك الأخطاء التي هیأت الظروف لنجاح المؤامرة القذرة التي دبرتها حكومة هذا الحزب الفاشستي الرجعى، عندما أحست بأن المد الشعبي یوشك أن یعصف بها، لقد فرضت على الشعب نظام عسكري رجعي في 17 نوفمبر 1958م وجاء هذا النظام لیصفي كل المكاسب التي انتزعها شعبنا لنفسه، كما أوقف المد الشعبي الذي بدأ یتبلور آنذاك في اتجاهات قومية وتحرریة ظاهرة.
جرائم نظام 17 نوفمبر: أولاً: فلقد عمد هذا النظام إلى عزل شعبنا عزلة تامة عن النضال الشعبي العربي ضد الاستعمار والإقلیمیة، والاستبداد، والاستغلال، والرجعیة.. كما جمد نضال شعبنا ضد الرواسب الاستعماریة والأوضاع الفاسدة والزائفة التي تحجب عروبته وتحول بینه وبین الاتصال بجذوره القومية، وتعطل تفاعله مع الشعوب العربیة الأخرى. ثانياً: ولقد شوه هذا النظام حقیقة شعبنا المتحرر عندما التزم في الجامعة العربیة خطا مائعا مترددا، وتخلف عن الركب العربي التحرري في نضاله من أجل الوحدة والحریة والاشتراكیة.. وقاطع مؤتمر الدار البیضاء.. ولعب دورا رجعیا إستعماریا متضامنا مع حكومات الأردن، وتونس، والسعودیة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ببغداد، وتجاهل قضية فلسطین، وسمح للجاسوسیة الصهوینیة باتخاذ بلادنا وكرا لها ومسرحا لدسائسها وتآمرها، وطعن نضال شعب الكنغو من الخلف، وارتبط بالمؤتمرات الإفریقیة الاستعماریة (مثل مؤتمر مونروفیا)، ووقف موقفا سلبیا خائرا من نضال الشعوب ضد الاستعمار، ومن أجل السلام والحریة، وشوه شعارات الحیاد الإيجابي، وعدم الانحیاز، والتعایش السلمي. ثالثاً: ولقد حل هذا النظام كل مؤسساتنا الديمقراطية، ابتداءً من البرلمان وانتهاءً بالأحزاب والنقابات والاتحادات، وسائر التنظیمات النقابیة، وأعدم حریة الصحافة وكل الحريات الأساسية الأخرى، وأشاع الكبت والحكم البولیسي في البلاد، وبذلك جمد النضال الشعبي وعطل فعالیات شعبنا وطاقته الثوریة، وبدأ في تنفيذ مخطط بولیسي رجعي یهدف إلى مسخ شخصیة المواطن، وقتل إمكانیاته المبدعة الخلاقة، ومحاولة الهائه بالاهتمامات السطحیة التافهة.. وتربیة الجیل الجدید تربیة معادیة للدیمقراطیة وقائمة على تقدیس الفرد والروح العسكرية. رابعاً: ولقد ربط هذا النظام اقتصادیات البلاد بالمعونة الأمريكية، والمعسكر الغربي ربطا وثیقا محمكا، یهدد استقلالنا الوطني ویعوق تطورنا الاقتصادي.. كما حل نقابات العمال وشرد العمال الأحرار، وعرض المزارعین لخطر الفاقة والجوع والفقر نتیجة لسیاسة التسویق الاستعماریة التي اتبعها.. وفتح الباب على مصراعیه للاحتكارات الأجنبية. خامساً: ولقد اغرق هذا النظام كل مؤسسات الدولة في الفساد والرشوة والمحسوبیة، وشوه فضائل أخلاقنا، وأخلاق شعبنا العربي الأصيلة. سادساً: ولقد ملأ هذا النظام سجون البلاد بالأحرار، وابتدع نظام الاعتقال بلا محاكمة، وروي ثري أرضنا بدماء الشهداء من المدنیین والعسكریین. سابعاً: وعندما قبل أهالي حلفا أن یقدموا عن رضا التضحیات من أجل شعبنا وشعب الجمهورية العربیة المتحدة، احتقر هذا النظام حقهم المشروع اختیار موطنهم الجدید، وضرب باجماعهم عرض الحائط، وقابل مطالبهم المشروعة بالارهاب والتنكیل، كما أن وفد المفاوضات الذي شكلته هذه الحكومة قد ذهب لیتفاوض دون أن تكون لدیه أي احصائیات دقیقة عن التعویضات التي تكفي لتعویض أهالي حلفا عن ممتلكاتهم، والتي تكفي لترحیلهم وإسكانهم، وقد ذهب هذا الوفد لیتفاوض وفي ذهنه هدف واحد هو عقد الاتفاقیة بأیة صورة، في محاولة یائسة لكسب تأیید الجماهیر المطالبة بتصفیة المشاكل المتعلقة مع الجمهوریة العربیة المتحدة الشقیقة وتحسین العلاقات مع حكومتها. ثامناً: واتبع هذا النظام في الجنوب سیاسیة إرهابیة رعناء تهدد وحدة قطرنا بالخطر، فقد توهم هذا النظام إن مجرد إسكات صوت دعاة (الفیدریشن) دلیل على انتهاء المشكلة، كما لجأ إلى أسالیب سطحیة للتبشیر بالإسلام كوسیلة لخلق وحدة عضویة بین الشمال والجنوب، وأهمل كل عمل انشائي مدروس لخلق جیل جدید یتحدث لغة البلاد القومیة، ولرفع. المستوى الاقتصادي، وخلق تفاعل حقیقي بین الشمال والجنوب لتوعیة المواطنين توعیة قومیة صحیحة، ونشر الثقافة العربیة الإسلامية بالطوعیة، بما یؤدي إلى التمازج الاجتماعي والاقتصادي، في إطار قومي إنساني، و علي أي حال فإن هذا النظام العسكري لا یمكن أن یودي إلى نتائج إیجابیة في هذا الصدد، لأنه بطبیعته یقوم على الإرهاب والمعالجات البولیسیة للأمور. تاسعاً: ولقد قضى هذا النظام على استقلال القضاء في بلانا، كما تدخل في المهن الحرة، ولا سیما مهنة. المحاماة، وحارب المثقفین الأحرار في أرزاقهم وعیشهم. إن جرائم هذا النظام تستعصى على الحصر لأنها امتدت إلى كل جوانب الحیاة في بلادنا.
النظام الحالي لا یمتلك سند شعبي: وفي نفس الوقت نجد إن هذا النظام قد فشل، بحكم طبیعته وبسبب جرائمه في خلق قاعدة شعبیة تؤیده. وتدعمه، بالرغم من تسخیر أجهزة الإعلام الرسمية لأغراض الدعایة والتضلیل، وبالرغم من تسخیر أجهزة من الجهود المبذولة لشراء واسترضاء العمد والمشایخ ورؤساء القبائل، لم تسفر جهود الحكومة في هذا الصدد إلا عن تكتیل أفراد قلائل من الانتهازیبن والمأجورین حولها، فلقد حددت جماهیر العمال والطلاب والمزارعین والمثقفین والطبقة المتوسطة موقفها العدائي من هذا النظام منذ قیامه، وقیادة حزب الأمة التي تآمرت مع قیادة الجیش لخلق هذا النظام، سرعان ما اصطدمت به عندما أدى سیر الأحداث في داخل الجیش إلى إبعاد العناصر العسكریة التي كان حزب الأمة یعتمد علیها داخل المجلس الأعلى، أي عندما أصبح هذا النظام العسكري لا یشكل ضمانة حقیقیة ودائمة لمصالح قیادة الحزب الإقطاعیة، وباتت هذه القیادة تخشي في أي لحظة أن تتلقى ضربة من النظام العسكري تهدد مصالحها بالخطر. وإذا كان سیر الأحداث في داخل الجیش، قد أدى إلى ابعاد العناصر العسكریة التي كان حزب الأمة یعتمد علیها في داخل الجیش، فإنه من جهة أخرى قد تكون مركز زعماء الطائفیة الختمیة في هذا المجلس، بشكل جعل زعیم هذه الطائفة یعطي كل تأییده للنظام العسكري، كما تمكن زعیم هذه الطائفة من جر عدد من زعماء حزب الشعب إلى وضع أنفسهم تحت خدمة هذا النظام بشكل ربطهم به أمام جماهیر شعبنا، غیر أن هذا الموقف الذي اتخذه زعیم طائفة الختمیة إلى جانب النظام العسكري أفقد طائفیة الختمیة جانبا كبیرا من جماهیرها الوطنیة، ولم یرتبط به نهائياً إلا الحلفاء وبعض زعماء حزب الشعب من الانتهازیین وذوي المصالح المتناقضة مع مصالح شعبنا. وفي داخل الجیش عم السخط والتذمر في صفوف الكثیرین من الجنود وصغار الضباط، وإذا كانت التدابیر التي اتخذها المجلس الأعلى في داخل الجیش، وفي الاختیار للكلیة الحربیة تضعف احتمالات قیام العناصر الوطنیة من الضباط بعمل إیجابي للإطاحة بالدیكتاتوریة العسكریة، إلا أن الشيء المؤكد هو أن كل الجنود وصغار الضباط لیست لهم أیة مصلحة حقیقیة في الدفاع بصورة إیجابیة عن النظام العسكري متي دخل هذا الصراع بینه وبین الجماهیر الشعبیة في اطوار حاسمة. فالنظام العسكري إذن لا یملك أي سند شعبي حقیقي، كما إنه لا یمكنه الاعتماد تماما على الجیش إذا ما احتدم الصراع بینه وبین القوى الشعبیة، فما الذي مكن هذا النظام إذن من حكم البلاد طوال هذه السنوات، (ثلاث سنوات ونصف)، رغم اجماع شعبنا على معارضته؟ إن السبب لا یمكن أن یكون راجعا إلى خطأ في الجماهیر، لقد عبرت جماهیر شعبنا في أكثر من مناسبة عن بالغ سخطها وعن استعدادها للنضال، لقد تحركت أكثر من مرة عفویة وتلقائیة لتعبر عن سخطها بطرق إیجابیة.. إن مظاهرات الطلاب وإضراباتهم، لا تنقطع قط إلا في فترة العطلات الصیفیة، إن العمال اضربوا عدة مرات تكاد تكون شاملة، والمزارعون ساءت أحوالهم المعیشیة وبلغ سخطهم على الوضع الراهن أشده إلى حد أنهم دخلوا في اضراب عن الزراعة رغم افتقارهم إلى التنظیم والقیادة الثوریة المخلصة، وجموع الطبقة المتوسطة والمثقفین اغتنمت كل أخطاء الحكومة في الداخل والخارج لكي تعبر عن معارضتها بالعرائض بل وبالمظاهرات. إن الخطأ إنما یكمن أساساً في افتقار الجماهیر في الوقت الحالي إلى القیادة الثوریة المخلصة والتنظیم الشعبي، كما یكمن في افتقار النضال الشعبي إلى البرنامج الشامل والخطة الكاملة، أن الخطأ یكمن أساساً وبصورة قاطعة في القیادات الحالیة للمعارضة وفي أسلوب النضال الذي تنتهجه هذه القیادات، ویتضح ذلك جلیاً بمناقشة الأمور الخمسة التالیة، والتي تشكل في نفس الوقت العوامل التي تعوق نضال شعبنا للإطاحة بنظام 17 نوفمبر، و التي سبق ذكرها في مقدمة التحليل. العامل الأول: هیمنة قیادة حزب الأمة على الجبهة الوطنیة وإقحامها في القوى الوطنیة الديمقراطية: إن حزب الامة لم یعرف عنه قط إنه ناضل من أجل التحرر والدیمقراطیة، بل أن المعروف لدى كل جماهیر شعبنا الواعیة أنه هو الذي طعن النضال الشعبي ضد الاستعمار، بتعاونه مع الإدارة الاستعماریة ووثوقه واشتراكه في كل المؤسسات التي أنشأتها، بما في ذلك المجلس الاستشاري والجمعیة التشریعیة، وتعرف جماهیر شعبنا ثانياً، إن حزب الأمة هو أيضاً العقبة الكأداء التي تقف في طریقها نحو تغییر الأوضاع الاقتصادیة والاجتماعیة الجائرة، وتعرف هذه الجماهیر ثالثاً، إن حزب الأمة حزب فاشستي معاد للدیمقراطیة، وقد توج مواقفه المعادیة للدیمقراطیة في 17 نوفمبر، حینما سلمت حكومته مقالید السلطة في البلاد لقادة الجیش، عندما أحست إن المد الشعبي سیسقطها لا محالة. وعندما فقدت قیادة حزب الأمة نفوذها داخل المجلس الأعلى، نتیجة لتطور سیر الأحداث داخل الجیش وخروج اللواء أحمد عبد الوهاب، وغیره من المجلس الأعلى، أي عندما تعرضت مصالح قیادة هذا الحزب لاحتمالات الخطر، وجدنا هذه القیادة تتخذ موقف المعارضة، بل وجدنا لفترة ما أن قوى المعارضة كلها تتخذ من قیادة حزب الأمة محورا لها وفلكا تدور حوله، وقال الشیوعیون وغیرهم كلاماً كثیرا في تبریر هذا الوضع الأخير، و تتلخص هذه التبریرات الزائفة في الآتي: 1- من واجب القوى الوطنیة أن تغذي التناقضات التي طرأت بین مصالح حزب الأمة والنظام العسكري. 2- إن لحزب الأمة نفوذا طائفیا كبيرا، فهو قادر بحكم نفوذه الطائفي على تحريك جماهیر شعبیة واسعة ومعروفة ببسالتها. 3- إن من مصلحة المعارضة أن تكسب هذه الجماهیر لجانبها بأي ثمن، ولن یأتي لها ذلك إلا عن طريق حزب الأمة. وبمناقشة هذه التبریرات،یتضح لنا إنها تتمیز بالسطحة وبالانتهازیة التي تستعجل النصر مهما كان زائفا، ویتوارى خلفها إحساس بالشك في مقدرة وكفاءة القوى الدیمقراطیة المخلصة لشعبنا: 1ـ إن التناقض بین حزب الأمة، والنظام العسكري لیس تناقضا جذریا، بل إنه تناقض غیر طبیعي، لأن قیادة النظام العسكري وحزب الأمة كلاهما من طبیعة واحدة، كلاهما رجعي، وكلاهما معاد للدیمقراطیة والتطلعات الشعبیة، وكلاهما مرتبط بوجه من الوجوه بالمعسكر الاستعماري، إن هذا التناقض سیزول حتماً إذا دخل النضال الشعبي في طور ثوري حاسم، وسیجد، حینئذ، كل من قادة الجیش وحزب الأمة إن مصلحتهما تستوجب أن یتفقا سریعا على أي وجه من الوجوه لضرب التنظیمات الشعبیة الدیمقراطیة، وشل النضال الثوري الشعبي. 2- إن حزب الأمة شأنه شأن النظام العسكري، لا یمكن أن یسمح بوجود حركة شعبیة دیمقراطیة قویة، لأنه یدرك إن هذه الحركة ستقضي على مصالحه الاقطاعیة بمجرد انتهائها من القضاء على النظام العسكري، وإنه لمن الواضح أن حزب الأمة هو المسؤول الأول عن شل عمل الجبهة الوطنیة في الأوساط الشعبیة، ولقد أصبح من الواضح أيضاً إن حزب الأمة، في داخل الجبهة الوطنیة يعمل بأسالیب ملتویة، ومدروسة، یتعمد فعلا أن یربط القیادات الوطنیة الدیمقراطیة به بصورة نهائية، ویعمل على عزلها عن جماهیرها الشعبیة المعروفة بوعيها الاجتماعي. 3- وحتى إذا افترضنا جدلاً إن هذا التناقض سیستمر، وسیودي إلى دخول حزب الأمة بإمكانیاته المادية، ونفوذه الطائفي في معركة حاسمة مع النظام العسكري، فإننا لا یمكن أن نتجاهل خطورة هذا النصر الزائف على مستقبل الدیمقراطیة ومصالح شعبنا، لأن حزب الأمة ما دام قادرا على شل الجماهیر الشعبیة الدیمقراطیة من داخل الجبهة الوطنیة، وما دام قادرا على عرقلة كل محاولة لتجمیع هذه الجماهیر وتنظیمها عن طریق نفوذه الحالي في الجبهة الوطنیة، فإن انتصاره على النظام العسكري یكون في الواقع انتصارا للفاشیة ولمصالحه الاقطاعیة ضد الدیمقراطیة والتحرر. 4- إذاً كان حزب الأمة يمثل الیوم تناقضا ثانویا، والتناقض الرئيس هو الدیكتاتوریة العسكرية، فإن تعاون القوى الدیمقراطیة مع حزب الأمة في الوقت الذي یعمل فیه حزب الأمة على عرقلة تنظیم القوى الشعبیة، معناه في النهایة أن القوى الدیمقراطیة تساعد حزب الأمة، وتمكنه من أن یصبح تناقضا رئيساً خطیرا عند زوال النظام العسكري، وعندئذ سینقلب حزب الأمة حتما على القوي الشعبیة التي نجح في تفتیتها وعزل قیاداتها عنها. 5- إن المصالح الجوهریة للرجعیة كیفما كان شكلها أو مواقفها هي دائماً واحدة، وتتمثل هذه المصالح الجوهریة للرجعیة بصورة أساسية في تفتیت الجماهیر الشعبیة، وفي الحیلولة بینها وبین تنظیم صفوفها على أسس نضالیة. وباختصار، فإن حزب الأمة، فضلا عن كونه لا یقل رجعیة عن النظام العسكري، وفضلا عن أنه بطبیعته سیظل عقبة كأداء یقاوم باستمرار النضال الشعبي من أجل الدیمقراطیة والاشتراكیة، ویسعى جاهدا لیعزل شعبنا عن حركة القومیة العربیة الصاعدة، فضلا عن ذلك، فإن حزب الأمة هو السبب الرئيس في فشل الجبهة الوطنیة، لأنه قد تمكن فعلا من شل فعالیات هذه الجبهة، كما تمكن من عزل الجبهة عن القوى الشعبیة الدیمقراطیة، وبالتالي إستطاع أن یبقي على القوى الشعبیة صاحبة المصلحة الحقیقیة في الدیمقراطیة والاشتراكیة مشتتة عاجزة بلا تنظیم وبلا فعالیة، . وحزب الأمة یبتغي من وجوده داخل الجبهة الوطنیة ومن هیمنته علیها أن یستغلها في الضغط على النظام العسكري لحمایة مصالحه الاقتصادیة ولتقویة مركزه عندما یضطر هذا النظام للدخول معه في مساومات الاتفاق، ویهدف حزب الأمة من وراء عزل الجبهة الوطنیة عن القوى الشعبیة إلى عملیة تصفیة وضرب المعارضة عندما یتوصل إلى الاتفاق المنشود مع النظام العسكري. إن وجود حزب الأمة في الجبهة الوطنیة العريضة، جعل هذه الجبهة تولد میتة، ولذلك فإن استمرار هذا الحزب في الجبهة الوطنیة هو السبب الرئيس في عجزها عن قیادة النضال الشعبي، وهو بالتالي السبب الرئيس في بقاء النظام العسكري طوال هذه السنوات. العامل الثاني: جمود قيادة الحزب الوطني الاتحادي وانتهازیتها: إن الحزب الوطني الاتحادي یعتبر نموذجا حیا للأحزاب التقلیدیة العربیة، فلقد اسهمت قیادة هذا الحزب بنصیب وافر في الحركة الوطنیة ضد الاستعمار، سواء قبل تكوین الحزب باسمه ووضعیته الحالیة أم بعد ذلك، ولقد استطاع هذا الحزب أن یكسب تأیید وعطف قاعدة واسعة من الجماهیر الشعبیة، وتتكون قیادته بصفة أساسية من المثقفین التقلیدین ورجال الاعمال البرجوازیین، ولقد وصل هذا الحزب إلى الحكم اكثر من مرة بعد الاستقلال، ولكنه شأنه شان سائر الأحزاب التقلیدیة في الوطن العربي لم یتطور في أهدافه ولا برامجه وأسالیبه لیكون قادرا على قیادة الجماهیر لتحقیق اهدافها في مرحلة ما بعد الاستقلال، فلم تكن لهذا الحزب مبادئ وأهداف، أو برامج اقتصادیة وسیاسیة طویلة المدى، ناهیك عن العقیدة، وإنما كل ما كان لدیه في هذا الصدد، شعارات سیاسیة جزئیة، وآنیة توضع بصورة ارتجالیة لمعالجة المشاكل الیومیة السياسة التي تطرأ، والشعار الوحد الذي رفعه الحزب، وكان یحمل طابعا عقائدیا ومبدئیا، هو شعار محاربة الطائفیة، غیر أن هذا الشعار ظل كالنبت الشیطاني بغیر جذور راسخة واستخدم في مواجهة طائفة واحدة بالذات، فأصبح بذلك عرضة للمناورات السیاسیة، ثم تخلت عنه قیادة الحزب عندما استنفذ أغراضه السیاسیة الضیقة. ولقد تجمدت قیادة هذا الحزب، نوعاً وكماً في عدد من المثقفین والمهنیبن وأصحاب الأعمال البرجوازیین، وحالت هذه القیادة دون تجدید حیویة الحزب عندما لا تسمح لأیة عناصر شعبیة من أعضائه الوصول إلى مراكز القیادة، والتوجیه فيه. واستقر في اعماق هذه القیادة إن دور جماهیر الحزب والشعب یجب أن یكون دورا منفعلا یقتصر على التأیید والتهلیل، وانجاح مرشحي الحزب في الانتخابات العامة، ولذلك فإن هذه القیادة لم تكن تعتبر نفسها مسؤولة أمام جماهیر الحزب بقدر ما كانت تعتبر نفسها موجهة لهذه الجماهیر ووصیة علیها، ولقد كان من الطبیعي – والحالة هذه – أن تتسرب بعض العناصر الانتهازیة إلى قیادة هذا الحزب، ومن الطبیعي أيضاً أن تحرص هذه. العناصر الانتهازیة على استمرار أوضاع الحزب وأسالیبه على ما هي عليه، وأن تعمل للقضاء على أيةطمحاولة للاصلاح. تعرض زعاماتها للخطر.. لس هذا فحسب، بل إن هذه العناصر الانتهازیة أدركت إنه لیس من مصلحتها أن تبذل أي جهود جدیة لتنظیم جماهیر الحزب تنظیما دیمقراطیا محكما، لأن التنظیم الدیمقراطي یعطي هذه الجماهیر كیانا وقوة ویزید من. ایجابیها وفعالیتها بدرجة تقلق هذه العناصر. ولذلك اكتفى الحزب بتشكیل لجان فرعیة كل مهمتها التحضیر للانتخابات والدعایة لأشخاص الزعماء، وأصبح الحزب لا یعتمد في اتصاله بالجماهیر إلا على البیانات واللیالي السیاسیة التي تلقى فیها الخطب الحماسیة باسلوب تهریجي، وتعلو فیها الهتافات للحزب ولزعمائه. وهكذا عندما تسلم الجیش السلطة في البلاد، وحلت الأحزاب، وأعلنت حالة الطوارئ، فقدت قیادة الحزب الوطني الاتحادي كل اتصال لها بقواعد الحزب وجماهیر الشعب، وظلت لمدة عامین مشلولة تماما وغير قادرة على اتخاذ أیة خطوات إیجابیة، ولم تقم في هذه الفترة بأي دور فعال في النضال الشعبي ضد. الدیكتاتوریة العسكریة. ولكن بالرغم من ذلك قد استجمعت قواها – كقیادة- وبدأت تعمل، غیر أنها بدأت عملها بروح خائرة، وبنفس الأساليب القدیمة، فلم تبذل أي جهد صادق ومدروس لتنظیم قواعدها على اسس تتلائم مع طبیعة الظروف الجدیدة، وكانوا یحاولون إیهام المتسائلین من المواطنین وشباب الحزب بأن الجماهیر ستهب تلقائیا وعن بكرة ابیها بمجرد صدور إشارة من رئیس الحزب، ناسین أو متناسین إن اسقاط النظام العسكري یتطلب نضالا ثورياً واسلوبا شعبیا جدیداً، وأصبحت قیادة هذا الحزب تبدو وكأنها قد تملكها الیأس من مقدرتها على العمل في. صفوف الجماهیر لتنظیمها وتعبئتها في ظروف الكبت والإرهاب التي سادت البلاد بعد الحكم العسكري، بل أنها بدت وكأنها لا تثق في جماهیرها، ولا تقدر ما تختزنه هذه الجماهیر من إمكانيات نضالیة جبارة تنتظر من یفجرها، وینظمها، ویقودها، وهي في هذا منسجمة تماما مع نظرتها التقلیدیة الخاطئة لجماهیر الحزب والشعب. وعندما احست هذه القیادة بعدم قدرتها على تحریك جماهیرها، لم تعالج عجزها هذا بروح فعل شعبي، وإنما لجأت إلى تكتیك ساسي سطحي وانتهازي، فأخذت تقوي صلاتها بقیادة حزب الأمة الطائفي الرجعي، متوهمة إنها قادرة على جر حزب الأمة إلى التصادم العنیف بالنظام العسكري، ولقد كان من الممكن اصطناع التبریرات لمثل هذا التكتیك السطحي لو صاحبته محاولات جدیة إیجابیة من قبل قیادة الوطني الاتحادي لتنظيم حزبها على أسس نضالیة، تجعله قادرا، ولو بعد حین، على القیام بالدور الرئيس في قیادة النضال وتوجیهه إذا غیرت قیادة حزب الأمة موقفها لأي سبب، ولكن الذي حدث إن قیادة الوطني الاتحادي لم تفعل شیئا من ذلك، وإنما اكتفت بالتواري خلف حزب الأمة هروبا من مسئولیاتها الحقيقية. إن قیادة الحزب الوطني الاتحادي هذا وضعها، أما قاعدته فهي قاعدة شعبیة ووطنیة لا شك مطلقا في طبيعة اخلاصها للدیمقراطیة والتطلعات الشعبیة التقدمیة، ولقد لعب الحزب الوطني الاتحادي دورا بارزا في الحركة الوطنیة قبل الاستقلال، وهو قادر أيضاً على أن یلعب دورا رائعا في النضال من أجل الديمقراطية والمصالح الشعبية، ولكنه لكي یلعب هذا الدور لابد من الآتي: 1-.لابد أن تطهر قیادة هذا الحزب من بقایا العناصر الانتهازیة، ولقد ساهمت هذه الظروف الشاقة الجدیدة علي التخلص بالفعل من بعض هذه العناصر. 2-.لابد أيضاً من أن تراجع القيادة نظرتها للجماهير، لابد ان تثق بمقدرة هذه الجماهیر على النضال والإبداع فيه. 3ـ وأخيرا یجب أن تطور هذه القیادة أسالیبها بالاعتماد أكثر وأكثر على جماهیرها بعد أن تنظم هذه الجماهیر تنظیما ثوریا دیمقراطیا یمكنها من أن تشارك ایجابیا في تحمل مسؤولیات النضال وتوجیهه وفي تقریر مواقف الحزب ورسم خططه وأهدافه. إن قیادة الوطني الاتحادي ما تزال تتمتع باحترام وتأیید جماهیر شعبیة واسعة، وأن تطور أسالیب هذه القیادة وتطهیرها من العناصر الانتهازیة هو في الدرجة الأولى إخراج لهذه الجماهیر من سلبیتها وتفحیر للطاقات الثوریة الكامنة في هذه الجماهیر، غیر أن تهاون هذه القیادة أو ترددها في الالتزام بهذه الشروط الموضوعیة لن یؤدي إلا إلى موتها سیاسیا وانعزالها نهائياً من الشعب. اما الشعب نفسه فإنه لن یموت، كما إنه لن ینعزل عن معركة مصیره، وإنما ستنفجر طاقته الكامنة، عاجلا أم آجلا عن قیادات ثوریة جديدة واعیة تثق بالشعب، وبطاقاته الثوریة، وتؤمن بأن النضال من أجل أهداف الشعب لا یمكن أن یقوم به إلا الشعب نفسه بجماهیره الثوریة، صاحبة المصلحة الحقیقیة في الدیمقراطیة والاشتراكیة والتحرر. العامل الثالث طبیعة الحزب الشیوعي واخطاؤه: لقد تكون هذا الحزب عام 1946م، ولكنه حتى الآن لم یتمكن من أن یخلق لنفسه شعبیة تمكنه من القیام بأي دور رئيس فعال في الأوساط الشعبیة، لقد انحصر نشاطه بصورة أساسية أوساط الطلاب والمثقفین، وتاثیره في هذه الأوساط لیس راجعا إلى أن الحركة الشیوعية حركة اصیلة في بلادنا، أو إلى أنها قادرة على طرح الحلول السلیمة لمشاكلنا كلها، القومیة والاجتماعیة والسیاسیة، وإنما هو راجع، أي تاثیرها في هذه الأوساط، إلى الفراغ العقائدي أساساً، ذلك الفراغ الذي كان یمیز مجتمعنا عندما تسللت إليه الشیوعیة، وإذا كانت الحركة الشیوعیة قد وجدت بعض الاستجابة في أوساط المثقفین والطلاب، فإن هذا لا یعني أكثر من أن هذه الاوساط تنزع نزوعا طبیعا للتقدم والتحرر، ولقد عرفت الشیوعیة كیف تستغل هذا النزوع في محاولتها لایجاد أرض تقف علیها، غیر أن هذه الأوساط بدأت تدرك بوضوح إن النزوع إلى التقدم والتحرر هو نزوع إنساني ولیس وقفا على الحركة الشیوعیة، كما بدأت في أوساط المثقفین تكتشف یوما بعد يوم،. ونتیجة لتاريخ الحركة الشیوعیة في بلدنا وفي سائر البلدان العربیة إن الحركة الشیوعیة لیست هي الحركة الأصیلة القادرة على ایجاد. الحلول الجذریة الصحيحة لمشكلاتنا القومیة والاجتماعیة والسیاسیة. هذا بالنسبة لأوساط المثقفین والطلاب. أما بالنسبة للجماهیر الشعبیة الأخرى من عمال ومزارعین، فلقد فشلت الشیوعیة فشلا ذریعا في اكتساب تایید أو حتى احترام هذه الجماهیر، وإذا استثنینا العدد القلیل جدا من العمال والمزارعین الذي ارتبط بالحزب الشیوعي، فإننا لا نلمس للشیوعیة أي تأثير قوي في هذه الأوساط، والتأثیر البسیط الذي أحدثته في صفوف العمال لا یرجع إلى نفوذها العقائدي، وإنما ترجع إلى الشعارات النقابیة التي ترفعها تلك الحركة، تلك الشعارات التي یرفعها كل النقابیین بصرف النظر عن الحركات السیاسیة أو العقائدیة التي ینتمون إليها. وعندما تفشل الحركة الشیوعیة في أوساط العمال فإنها، بحكم المنطق الشیوعي نفسه، تكون قد فقدت مبرر وجودها، وأكدت عدم أصالتها وبرهنت إنها حركة زائفة ومصطنعة وغریبة على طبیعة شعبنا وعلى المرحلة التاریخیة التي تمر بها بلادنا والبلاد العربیة جمعاء. إن أهم الاسباب التي حكمت على الحركة الشیوعیة في بلادنا بالفشل، وجعلتها غير قادرة على اكتساب تأیید أو حتى احترام القطاعات الشعبیة لا سیما عمالنا وفلاحینا، هذه الأسباب یمكن تلخیصها فیما یلي : 1ـوإن الشیوعیة هي في حقیقتها رد فعل للظروف التي كانت تسود أوربا في القرن الماضي، وهي ولید طبیعي للمجتمع الرأسمالي بظروفه الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة، ولكنها غریبة تماما عن ظروف الوطن العربي كله، وعن طبیعته وروحه، ومتطلبات النهضة والتقدم فيه. 2- إن الحركة الشیوعیة استطاعت أن تلتقي مع اهداف النضال القومي عندما كانت الأمة العربیة تخوض معركتها الضاریة ضد الاستعمار، وعندما كادت هذه المرحلة أن تنتهي، وتحددت أهداف النضال العربي في المرحلة الجدیدة في بناء المجتمع القومي الدیمقراطي الاشتراكي الموحد على أسس قومیة وثوریة وأصیلة. متمیزة عن الشیوعیة ومعادیة للرأسمالیة، وعندما اشتقت حركة القومیة العربیة لنفسها طریقا محایدا من كل نفوذ رافضة أن ترتبط بالمعسكر الشیوعي، رفضا واضحا ومدعما بمنطلقات قومیة وعقائدیة محددة، عندما تحددت أهداف النضال العربي على هذا النحو،. اضطرت الحركة الشیوعیة أن تسفر عن و جهها المعادي. للحركة القومیة الاشتراكیة،. وكشفت أهدافها الحقيقة المتمثلة في محاولة ربط الوطن العربي كله بعجلة المعسكر الشیوعي، وإذابة الشخصیة العربیة، وفرض الشیوعیة على الشعب، ولو بالقوة، كما حدث في العراق بعد ثورة 14 يوليو 1958م . 3- إن سیاسة الحركة الشیوعیة في بلادنا تنطلق من السیاسة الخارجية المستوحاة من السياسة الشیوعیة العالمية، ومن ظروف الاتحاد السوفيتي، وصراعه مع الغرب، وليس معنى ذلك إنها دائما لا وطنية، ولكن معني ذلك إن السیاسة الشیوعیة غريبة منطلقها، وغیر متجاوبة مع صمیم حاجاتنا، فقد تقف الشیوعیة مع قضایانا في بعض الأحيان، مواقف وطنية، ولكن هذا لا ینفي غربتها، ولا یكون أكثر من التقاء عارض في المصلحة لا في الشعور و النظرة، وهذا یفسر إلى حد بعید تخبط الحركة الشیوعیة في بلادنا بعد الاستقلال، وعجزها عن طرح الشعارات التقدمیة والاجتماعیه اللازمة لبلورة شخصیتنا القومیة، وتوضيح معالم المستقبل الذي ینشده شعبنا. فلقد غرق الحزب الشیوعي واغرق معه الجماهیر المتتبعة لنشاطه في فیض من الشعارات العالمیة، (السلام، والتعایش السلمي، ونزع السلاح، وحرب كوریا… الخ)، وسیر المظاهرات، وشكل الجمعیات، ودبج العرائض في هذه الشعارات. حقا أن هذه الشعارات یجب أن ترفع، ولكن لا یجب أن تكون مبررا لاهمال أو على حساب الحاجة الأساسية والمشكلات الرئيسة التي یواجهها شعبنا ویناضل من أجل حلها، في البلدان العربیة الأخرى، وجدنا إن سیاسة الأحزاب الشیوعیة الأخرى لم تخرج من كونها رد فعل لسیاسة الاتحاد السوفیتي ومواقفه. فموقف الحركة الشیوعیة من الاستعمار الغربي وتعاونها معه أثناء الحرب العالمیة الثانیة، وموقفها من قضية فلسطین، وموقفها من قضایا التحرر في المغرب العربي، وموقفها من الوحدة العربیة، كل هذه المواقف كانت تتأثر دائماً، وباستمرار بمواقف الاتحاد السوفیتي في السیاسة العالمیة ومواقف الأحزاب الشیوعیة الأوربية الكبرى كالحزب الشیوعي الفرنسي مثلاً. 4- ولم تقتصر اخطاء الحزب الشیوعي على إهماله للمتطلبات الشعبیة الحقيقية، وإنما وجدناه في أكثر من مرة لا یتورع على التحالف مع أشد العناصر رجعیة ومعاداة للتقدم والدیمقراطیة، جریا مع منطقه الانتهازي وعقیدته اللا أخلاقية (الغایة تبرر الوسیلة)، فلقد عارض هذا الحزب اتفاقية 1953م وتحالف مع حزب الأمة في الجبهة الاستقلالیة، وكان بذلك من العناصر القلیلة جداً التي وقفت بجانب هذا الحزب الاقطاعي الطائفي، وبقیت كل العناصر الوطنیة في الجبهة المناوئة، والحزب الشیوعي یعطي بذلك حزب الأمة صورة الحزب الحریص على الاستقلال، بینما إنه المعروف لشعبنا كله أن هذا الحزب هو الحزب الوحید الذي تعاون مع الحكم الاستعماري، وهذا تضليل سافر للشعب وتمییع للنضال الشعبي من أجل الدیمقراطیة والتحرر. وأخيرا فإن الحزب الشیوعي الیوم یحاول أن یبرر وجود حزب الأمة في الجبهة الوطنیة، ویجهد نفسه كي یصطنع لنا التبریرات السطحیة لتعاونه مع هذا الحزب، و هو بذلك یحاول أن یخفي احساسه بالفشل، والعجز عن مواجهة الأمور بشجاعة وصراحة وبروح ثوریة شعبیة. 5- لقد انكشف لشعبنا تصور الشیوعیین للحرية والدیمقراطیة، هذا التصور الذي ینطلق من المبدأ الشیوعي (الغایة تبرر الوسیلة)، ومن العقيدة الشیوعیة التي لا تضع وزنا للفرد وتذیبه في الجماعة وتسلب حریته وكیانه باسم المجتمع، وباسم مصالح الطبقات الكادحة، كما تدعي. ولقد انكشف لشعبنا الإرهاب الشیوعي ونظرة الأحزاب الشیوعیة اللا أخلاقية للإنسان، وللحریات الأساسية، ففي العراق عندما توهمت الشیوعیة إن ساعة الاستيلاء على العراق قد حانت، لجأت للإرهاب، والبطش، وأبشع الأساليب لتصفیة القوى الشعبیة التقدمیة. 6- كما تبین لشعبنا على ضوء تجاربه الخاصة وتجارب الشعوب العربیة الأخرى، إن الشیوعیین یعالجون قضايا النضال الشعبي، ومتطلباته بروح انتهازیة تستهدف بالدرجة الأولى الكسب الحزبي، فهم مع الأحزاب والحركات الوطنیة داخل الجبهات الوطنیة التي یدعون إلى تشكیلها من حین إلى آخر، ویعملون دائماً لاستغلال هذا التعاون ونتائجه لمصلحة الحركة الشیوعیة، ونموها وتطورها، ثم یستغلون جو التعامل والتفاهم المرحلي الذي یسود داخل الجبهة الوطنیة لتزییف شعارات الحركات الأخرى، وتشویهها ومحاولة عزلها عن قواعدها، كما تحاول دائماً من داخل هذه الجبهات أن تفتت القوى الوطنیة الأكثر تقدما لأنها تعتبر هذه القوى أخطر على مستقبل الشیوعیة من القوى الرجعیة المقضي علیها حتما بمنطق التاریخ وقوة التطور، وتسعى الحركة الشیوعیة جاهدة لكي تصفي القوى القومیة التقدمیة والثورية،. فتركز علیها الهجوم متناسیة الرجعیة، لأنها تعتبر القوى القومیة الثوریة منافسة لها في قیادة الشعب والطبقة. العاملة، وهي تسعى في ضغطها على القوى الثوریة إلى أن تضعها أمام أحد مخرجین: إما أن تذوب في صف الشیوعیة، وإما أن تنحاز إلى حیث أعداء الشعب، غیر أن الذي یحدث. دائماً هو أن ضغط الشیوعیة وهجومها وتشویشها للحركات. الثوریة غير الشیوعیة تستفید منه الرجعیة، والقوى المعادیة للشعب، وقد حدث ذلك في العراق بالفعل. والحركة الشیوعیة تهدف أساساً من الدخول في جبهات متحدة مع الفئات الوطنیة لإزالة العزلة المفروضة على الأحزاب الشیوعیة باعتبارها أحزابا تستمد سیاساتها وتعالیمها من خارج البلاد، كما یهدف لإكساب الشیوعیة اعتراف الأحزاب الوطنیة التي تتعاون معها، مما یزكيها. لدى الرأي العام، وتهدف أيضاً لالاتصال بمختلف الأوساط، والجماهیر الشعبیة عن طریق التعاون مع هذه الأحزاب، فتتوسع بالتالي على حساب هذه الأحزاب، هذا بالإضافة لهدفها في تشویش مختلف الأحزاب، والهیئات التي تتعاون معها: تشویش تفكیرها، واسلوب عملها ومحاولة الاستقطاب من صفوفها وإظهارها بمظهر الأحزاب المنجرة وراء الحركة الشیوعیة والعاجزة، وغیر القادرة على البقاء بدون التعاون مع الشیوعیة في جبهة واحدة. وعلى العموم فإن الحركات القومیة الثوریة تتجنب باستمرار التعاون المنظم مع الحركة الشیوعیة ما دام مجرد الاكتفاء في الموقف یكفي، وذلك لجملة الأسباب السابقة، بالإضافة إلى سبب هام آخر هو الأهم والأقوى، وهو إن الحركات القومیة الثوریة حركات انقلابیة، تطرح حلا وحیدا وترفض كل ما عداه، والشیوعیة أيضاً حركة انقلابیة لها حلها الذي لا تتنازل عنه، ولكنه حل أممي یرتبط بمبادئ وأهداف الشیوعیة العالمیة، وهذا أول اصطدام وتعارض أساسي یحول دون اشتراك الحركة القومیة الثوریة مع الشیوعیة في سیاسة طویلة الأمد لأن العمل السیاسي لا یمكن أن ینفصل عن العقیدة الموجهة له في المدى الطویل، هذا إلى جانب أن تعاون الحركات القومیة الثوریة مع الشیوعیة هو تشكیك ضمني للشعب في كون الحركة القومیة الثوریة هي الحل الوحید الملائم لحاجته. غیر أن هذا كله لا یجب أن یعني إننا نعتبر مهمتنا الأولى هي عداء الشیوعیة ومقاومتها ومبادرتها بالخصومة، لأن هذا الفهم إن وجد فهو یدل علي فهم خاطئ لمهمة (الطليعة التقدمیة العربیة)، وللمرحلة التي نجتاز في نضالنا مع جماهیر شعبنا ضد النظام الدیكتاتوري العسكري والفئات الرجعیة، وضد الاستعمار المتسلط على بلاد العرب. وإذا كنا قد وجدنا ضرورة في بعض المناسبات في الماضي، والتي قد تتكرر في المستقبل، لمهاجمة الشیوعیة والاصطدام بها فلا یعني أن الحركة التقدمیة العربیة ترضى لنفسها أن تحمل مهمة مكافحة الشیوعیة باستمرار، وأن تكون هذه أولى واجباتها في كل الظروف، لأن مثل هذا الموقف في حقیقته هو موقف الاستعمار وأُجرائه. إننا نرحب بالتقاء الشیوعیة هنا مع الحركة الوطنیة عموما في بعض المواقف، والكف عن مهاجمتها والتصادم معها متى استدعت مصلحة النضال الوطني ذلك.. ولكننا سنظل على موقفنا المشكك من الجبهات الوطنیة التي یكونها الشیوعیون ما دمنا لا نطمئن إلى أن مثل هذه الجبهات تخدم قضايا شعبنا في الدرجة الأولى، وهذا بالطبع لا یعنني أننا نحجم على التعاون مع الفئات الأخرى التي نطمئن إلى اخلاصها وإلى عدم معاكسة أهدافها في المدى الطویل لأهداف النضال القومي الثوري، بل إننا نرحب بالتعاون مع مثل هذه الفئات الوطنیة. والآن یمكننا أن نفهم بوضوح محاولات الشیوعیون المذعورة لتحطیم الحزب الوطني الاتحادي من داخل الجبهة، واظهاره بمظهر الحزب المنتهي الذي فقد جماهیره، ومحاولتهم السطو على قواعده مستغلین فراغه العقائدي وجمود قیادته وطبیعته التقلیدیة. وأخيرا یمكننا على ضوء كل ما سبق أن نعرف لماذا فشل الحزب الشیوعي في اكتساب تأیید أو حتى احترام الطبقات الشعبیة بالرغم من أنه یعمل منذ عام 1946م، وبالتالي یمكننا أن ندرك لماذا نعتبر الحزب الشیوعي رغم تنظیمه المتین وحركیته غير قادر على قیادة شعبنا من اجل الدیمقراطیة والتحرر من الحكم الدیكتاتوري الرجعي. العامل الرابع: افتقار النضال الشعبي للمبادئ النضالیة السلیمة والاستراتیجیة والخطة: إن الاستراتیجیة والخطة، على اهمیتها، لا تثیران أي صعوبة في وضعهما إذا توضحت أمامنا المبادئ النضالیة السلیمة، فما هي المبادئ النضالیة التي یجب. أن یرتكز علیها العمل السياسي؟ إن شعبنا شأنه شأن سائر الشعوب العربیة في حاجة لبعث الروح لكي یتمكن من القضاء على الأوضاع والنظم. التي تعوق تطوره، لقد تضافرت عوامل كثیرة ومتباینة كالاستعمار، والطائفیة، والقبلیة، والأخلاق السلبیة، والاقطاع، وغیرها من العوامل، قات لفتور هذه الروح ونضوب شبابها، وهذه الروح هي التي أملت تاریخنا العربي البعید، وهي التي فجرت المهدیة، والثورات العربیة الأخرى في تاریخنا القریب. وألقت ظلالها على ثورة 1924م، وهذه الروح بكل أصالتها و ذسموها لا یمكن أن نتمثلها من جدید بحق وصدق ولا یمكن أن یتصل بها شعبنا من جدید إلا بالصعود الشاق المخلص إليها، بسلوك طریق النضال الوعر لنتخلص من كل عوامل الضعف والتدهور،. الذاتیة والمفروضة علینا، والآن، وشعبنا یعاني من الدیكتاتوریة العسكریة التي تعرقل صعوده وتزید من ابتعاده عن روحه الأصلية، یجب أن یكون نضاله ضدها عمیقا وشاقا لیلتقي مع متطلبات بعث الروح، ویجب ألا ننظر لنضالنا على إنه مجرد وسیلة لإزالة النظام العسكري، وإنما یجب أن یكون أيضاً وفي الدرجة الأولى وسیلة لتحقيق الانقلاب في روح شعبنا وأخلاقه. ومن هنا تأتي المبادئ الأساسیة التي یجب أن تحكم نضالنا والتي یمكن تلخیصها في هذه العبارات: (إن كل ما یراد سهلا رخیصا رخیصا یاتي سطحیا وزائفا.. وأن الغایة السامیة لا یمكن التوصل الیها إلا بوسیلة من طبیعتها، وأن الشعب الذي هو غایة النضال، وصاحب القضیة هو أيضاً وحده أداة هذا النضال ووسیلته): 1- فلكي تأتي ثورة شعبنا عظیمة وراسخة، ولكي نرتقي بنضالنا ضد الدیكتاتوریة العسكریة إلى مستوى جديد یحقق الانقلاب في روح شعبنا وأخلاقه یلزم أن نطبع نضالنا بطابع قومي مبدئي واضح، حتى نتجنب شرور الانسیاب وراء الحلول السیاسیة المجردة، ویجب أن یتمیز النضال الشعبي بأنه نضال من أجل الدیمقراطیة باعتبارها الجوء الملائم أبداً لتحقیق الاهداف الشعبیة في بلورة شخصیته القومیة وتحقیق الاشتراكیة، وبغير ذلك نجد أنفسنا منساقین وراء الحلول والتكتیكات السیاسیة السطحیة الزائفة، ومن هذه الحلول الزائفة الرأي القائل بأننا یجب أن نكتل كل قوي المعارضة لهذا النظام، مهما كانت أسباب معارضتها له، ومها كانت طبیعتها، في جبهة واحدة وأن نحرص على استمرار هذه الجبهة بكل الوسائل، ومن الواضح أن هذا الحل یبدو سهلا وسریعا، إذا نظرنا للقضیة إنها مجرد زوال النظام الراهن بأي ثمن، ولكنها في الحقیقة حل سطحي لأنه یقوي العناصر الرجعیة والفاشیة في صفوف المعارضة ویبرزها للشعب بمظهر القوى الوطنیة والدیمقراطیة، ویدعمها مادیا ومعنویا، والرجعیة بحكم معاكستها للتیار التقدمي الحتمي تكون أوعى لمصالحها وأنشط من غیرها لتوفير ضمانات مستقبلها، فهي لذلك تعمل جاهدة لأقصى قدر من القوى الأخرى المناوئة لها، كما ستعرقل بكل ما تملك من دهاء وقوة المحاولات الجدیة الرامیة لتقویة الفئات الشعبیة الدیمقراطیة في صفوق معارضة الیوم، وبذلك تتضاءل ضمانات القوى الشعبیة من حیث إن الانتصار على الدیكتاتوریة العسكریة یعني بدایة حیاة ديمقراطية سلیمة تتحقق فيها إرادة الشعب في التحرر والعدل الاجتماعي، ومن جهة فإن وجود شعارات ثوریة تربط النضال ضد الدیكتاتوریة بمصالح الجماهیر الشعبیة، وبالرغبة في التحرر من كل انواع التسلط و الاستغلال والظلم. وهكذا لا یؤدي النضال إلى رفع وعي الجماهیر، وتعمیق شعارات التحرر والعدل في صفوفها، وبالتالي لا یوفر الضمانات الكافیة ضد الحركات الدیكتاتوریة في المستقبل، ومن جهة ثالثة فإن زوال التناقض بين الرجعية المعارضة، وبين النظام العسكري الرجعي أمر محتمل، بل ویكاد أن یكون مؤكدا، وحینئذ ستضطر القوى الوطنیة الديمقراطية الاعتماد على نفسها من جدید، فلماذا لا تعتمد هذه القوى علي نفسها وعلى الجماهیر الشعبیة من الآن، وتخطط للمعركة على هذا الأساس حتي تختصر الطریق، وهي لن تستطیع الاعتماد على نفسها ما دامت هنالك رجعیة تشارك توجيه النضال، بل وتهیمن علیه وعلي قیادته، ولا یمكن القول بأن القوى الوطنية الدیمقراطیة غیر قادرة على مجابهة الدیكتاتوریة العسكریة بمفردها، لأن الشعب بقیادة هذه القوى قد تمكن بالفعل من مقاومة نفس هذه الرجعیة متمثلة في حزب الأمة، عندما كان یمتلك الجیش إلى جانبه حتى اضطرت الرجعیة أن تسفر عن وجهها المعادي للدیمقراطیة والمصالح الشعبیة بتسلیمها السلطة إلي الجيش. إن النظرة المبدئیة العمیقة تحتم على القوى الوطنیة أن تنظر للمعركة على إنها معركة شاملة تضع في اعتبارها. توفیر الضمانات للمستقبل الذي یریده شعبنا دیمقراطیا تقدمیا، لا مجرد معركة من أجل إزالة حكومة، وهذا الفهم السلیم لطبیعة المعركة یفرض علیها أن تكون معركة ضد التسلط والدیكتاتوریة بصفة مطلقة. وأخيراً، فإن النظرة المبدئية للنضال، تحتم علینا من الآن استبعاد كل حل فوقي لا شعبي كالاغتیالات والانقلابات العسكریة غیر المدعومة بالحركة الشعبیة المنظمة الواعیة، لأن هذه الحلول لا تشكل أي ضمانة للمستقبل. إنها قد تؤدي إلى أوضاع أسوأ من الموجودة الآن. 2- ویجب أن یستند نضالنا إلى أخلاقية عالیة تجعل منه نضالا إنسانیا، یغني الشخصیة الإنسانیة ویسمو بها ویمكنها من الانقلاب الجذري على أخلاق السلبية والفردیة الانتهازیة، ومن المهم في هذا الصدد أن نحسم مسألة الغایة والوسیلة. إن الوسائل غیر الإنسانية، وغیر الأخلاقية لا یمكن أن تودي إلى غایات إنسانیة سامیة تحت أي ظرف من الظروف، بل إنه لیس هنالك حد فاصل بین الغاية والوسیلة، فكثیرا ما تلتحم الغایة بالوسیلة بحیث لا یمكن التفریق بینهما، وفي كثیر من الأحيان تكون الوسائل غایات في حد ذاتها، أننا نفهم الغایة والوسیلة على أنهما من طبیعة واحدة، فالارهاب لا یمكن أن یؤدي إلى الاستقرار، و ذلكنه یؤدي فقط إلى تمكین القوى الفاشیة والدیكتاتوریة، والنزعات الإرهابیة والبولیسیة، كما إن التنظیمات الفاشستیة یستحیل أن تحقق نظاماً دیمقراطیا، وخداع الجماهیر لا یمكن أن یساعد في تحقیق الأهداف الشعبیة، والدعایات الكاذبة لن تؤدي إلا لعدم الثقة بمصدرها ومروجیها. وهكذا فإن نضالنا من أجل الدیمقراطیة كوسیلة لتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق الانقلاب الجذري على الواقع الفاسد، لا یمكن أن یحقق غایته إلا بواسطة منظمات شعبیة ديمقراطية، وباسلوب شعبي وأخلاقي سليم. 3- وأخيراً، فإن الثورة الحقیقیة للنضال الجذري لا یمكن أن یكون لها وجود بعیدا عن جماهیر الشعب، صاحبة المصلحة الحقیقیة في الثورة، فالشعبیة لیست نظریة في الحكم فحسب، ولكنها أيضاً اسلوب للنضال. إن الشعب صاحب القضیة هو الوحید القادر علي حملها، فلیس في استطاعة حزب أو جماعة أو هیئة، مهما بلغت قوتها و ذإمكانیاتها وثوریتها أن تفعل شيئاً بدون الشعب، وأن تمكن من فعل شيء بدونه فإن نتائجه سطحية ضیقة وبعیدة عن المصلحة الحقیقیة للشعب. وبدیهي إن الشعب القادر على القیام باعباء النضال والثورة لیس هو ذلك العدد المتنافر المشتت، أو تلك الكتل الهلامیة المتضاربة المصالح والأهداف.. ولكن الشعب هنا هو مجموع الفئات والأفراد ذوي المصالح المترابطة، غير المتنافرة، والتي تلتقي مصلحتهم الحقیقیة في تحقیق الديمقراطية والاشتراكیة، والتحرر من كل قیود الاستعباد، والاستغلال، والضغط.. وبدیهي أن هذا الشعب لا یمكن أن یتحرك من تلقاء نفسه، وأنه لا یبادر عادة بالنضال، وذلك لجملة أسباب موضوعیة، منها ضعف الوعي والجهل، وتأثير العوامل السلبية المتراكمة بفعل الضغط والارهاب، والإذلال وسیادة الأخلاق السلبیة منذ العهد التركي، غیر كل ذلك لا ینهض مبررا لاستبعاد الشعب واهماله والتقلیل من شأنه، لأن الثورة في الحقیقة لا یمكن أن تتم إلا به.. ولأن الشعب ،(كل شعب)، لابد له في البدایة من الطلیعة، تلك الطلیعة التي تقوم باستمرار بمهمة تنظیم العناصر الواعیة في صفوفه، وتنشر فيه الوعي وتربط قضاياه الحیاتیة الیومیة، بالقضایا الكبرى القومیة، والاجتماعیة والسیاسیة. فالمعركة إذن تتطلب الطلائع القائدة.. ثم تتطلب التحام هذه الطلائع بالجماهیر المجاهدة في نسیج متماسك هو الشعب بمعناه الحي. إن مهمة الطلائع المتمثلة الآن في القیادات الوطنية والدیمقراطیة المخلصة هي: (أن تعمل على تنظیم جماهیر الشعب في الأحياء، والمصانع، والورش، والقرى، والمدارس والجامعات، وفي نفس الوقت علیها أن تلتحم بالشعب، وأن تربط النضال ضد الدیكتاتوریة العسكرية بالمصالح الحقیقیة لهذه الجماهیر، وبقضایاها المعیشیة وبمستقبلها الاجتماعي). إن قفز القیادات الدیمقراطیة والأحزاب الوطنیة في الفراغ، ولعبها على المسرح بمفردها لا یؤثر اطلاقا في النظام الراهن، ولا ینتج أي مردود إیجابي، وهو لیس إلا جهد ضائع وجریمة في حق الجماهیر الشعبیة المتعطشة للتنظیم الثوري، والباحثة عن القیادة المخلصة الواعیة لمتطلبات النضال. أيها الأخوة في العروبة ویا زملاء النضال: إننا إذ ننتقد القيادات التقلیدیة والرجعیة في صفوف المعارضة بهذا الوضوح والعنف، فما ذلك إلا لأننا نثق في شعبنا وفي إمكانیاته الثوریة، وطاقاته المبدعة الخلاقة. إن التستر على القيادة التقلیدیة لن یؤدي إلا إلى تكریس النظام الدیكتاتوري. إن ثوریتنا وإخلاصنا لقضایا شعبنا المتعلقة بمصیره ومصالحه الجوهریة یحتمان علینا أن نكشف أخطاء القیادات التقلیدیة بنفس العمل والحماس الذي نكشف به خیانات النظام العسكري. غير أن كشفنا للقیادات التقليدية، یا زملاء النضال، یحتم علینا أن نناضل في الوقت نفسه بكل حزم وعناد لكي نستكمل الشروط الموضوعیة اللازمة لبناء الحركة القومیة بناء سریعا ثوریا وشعبیا، حتى تقوم الحركة القومیة الثوریة بواجبها في سد الفراغ، وقیادة جماهیر شعبنا في طریق الدیمقراطیة والاشتراكیة والوحدة. ودمتم للنضال، وعاشت جماهیر أمتنا المناضلة من أجل الوحدة والاشتراكیة والحریة.