الإنقلاب الفاشل، ومظاهر الفوضى.. محاولة للقراءة والتحليل
بقلم الطيب الزين
مؤخراً، شهدت بلادنا الكثير من الأحداث، كان على رأسها المحاولة الإنقلابية الفاشلة، التي كشفت حقيقة النوايا المبيتة ضد مسار التحول الديمقراطي، بعد أن خرج الشعب من أتون ثلاثة عقود مظلمة.!
لكن المفاجأة الأخطر كانت التصريحات، والمواقف غير المفهومة من جانب البرهان وحميدتي، التي تجاهلت حقيقة الحدث وألقت باللائمة على المدنيين، بل ذهبا أبعد من ذلك، بأن سارا في خط بؤر الفساد والثراء الحرام التي ظلت تطالب بحل لجنة إزالة التمكين وإسترداد أموال الشعب السوداني التي سرقها اللصوص والحرامية في عهد الإنقاذ، والدليل هو سحب القوة كانت تحرس مقر اللجنة مساء الأمس.
البعض فسر هذا الأمر، بحالة القلق التي تتعري الرجلين من إيلولة رئاسة مجلس السيادة للمدنيين في شهر نوفمبر القادم.
وبعض آخر ذهب أبعد من ذلك إذ إعتبر أن ما تم، ما هو إلا مجرد مسرحية من جانب العسكريين لخلط الأوراق، وبالتالي إعادت عقارب الساعة إلى الوراء.
كما هو معلوم بالضرورة الحقيقة لا تتكشف دفعة واحدة، وإنما تحتاج إلى وقت ومتابعة وقراءة معمقة وتحليل دقيق يقود إلى تفسير موضوعي للواقع والوقائع.
رغم عدم إستبعادي لهذه الفرضية، لكن تبقى هناك فرضية أخرى أكثر ترجيحاً، ألا وهي مغامرة قوى الردة، التي تغرد خارج سرب الوطن والمواطن، الذي يتطلع للعيش بأمان وسلام وتحقيق الإستقرار السياسي والنمو الإقتصادي والرفاه الإجتماعي، مدفوعين بحالة التوتر العصبي التي تعتريهم من جراء إقتراب موعد تسلم المدنيين رئاسة مجلس السيادة، وبالتالي تحريك بعض الملفات الساكنة، مثال على ذلك ملف العدالة الجنائية، وتكوين المحكمة الدستورية، ومفوضيات مكافحة الفساد والثراء الحرام، والمجلس التشريعي، وتسليم رموز النظام السابق المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية.
لذلك مهدوا لهذا الأمر من خلال التراخي الأمني، الذي إنعكس على أمن المواطن في الخرطوم، وقبله كانت الصراعات القبلية المسلحة في بعض الولايات التي أدت الى سقوط المئات من الضحايا بين قتيل وجريح.
ثم جاء إعتصام بقايا النظام السابق في الشرق بقيادة تِرك الذي عطل حركة الميناء التي تعتمد عليها البلاد في وارداتها وصادراتها، وحجته إنه يرفض مسار الشرق، ويحمل حكومة المدنية مسؤولية ذلك، علماً أن ملف مفاوضات جوبا أشرف ووقع عليه حميدتي..!
وفي غرب كردفان، قاموا بعمل مماثل لتعطيل إنتاج البترول، بغرض تضييق الخناق على الحكومة الإنتقالية.
ثم نشروا خطابات في قروبات الواتساب، تتساءل من سيسخر من سقوط حكومة حمدوك..؟
وأجابوا على تساؤلاتهم تلك..!
بأنه لا أحد سيسخر، سوى حمدوك ومن معه .. وطبعاً هذا كله كان شغل منظم، تم على مراحل، تمهيداً للإنقلاب على مسيرة التحول الديمقراطي برمته، الذي خططوا له في الخفاء.
إنهم يمكرون والله خير الماكرين.
بعد إستعراض كل هذا العبث، نخلص إلى نتيجة مفادها أن الكيزان ذاكرتهم مثقوبة.!
إنهم يتوهمون الذكاء، لكن فات عليهم أن الشعب السوداني الذي أسقطهم في مزبلة التاريخ.
أذكى وأوعى منهم بعشرات، بل مئات المرات.
شعب صنع أعظم ثورة في العصر الحديث.
لا يمكن أن يفرط فيها بأي حال من الأحوال لأنها ليست حالة طارئة، وإنما هي رؤية وموقف وطني راسخ في الضمائر والعقول هدفه تحقيق التغيير الجذري الذي يقود إلى بناء دولة القانون والمؤسسات التي تكفل الحرية وتطبق القانون على الجميع بلا إستثناء، وتحقق العدالة الإجتماعية لكل الناس.
لكن الخاسر الأول من كل ما جرى حتى الآن يبدو إنه ، هو حميدتي لأنه وقع في الفخ مرة أخرى، لأن المحاولة الإنقلابية الفاشلة كان لها أكثر من هدف وهذا سوف نتناوله في المقال القادم.
الطيب الزين