اشتراط إسقاط النظام بوحدة المعارضة متى ولماذا الآن؟

اشتراط إسقاط النظام بوحدة المعارضة متى ولماذا الآن؟

بقلم: مهندس عادل خلف الله

ليس كشفاً جديداً التأكيد على أن إي ثورة لا تتحقق إلا بنضج شرطيها الذاتي والموضوعي، وإسقاط دكتاتورية نظام الحركة الإسلامية الفاسد، ليس استثناء عن ذلك القانون، وما بقاؤه في الحكم حتى الآن إلا لعدم نضج الشرط الموضوعي لاسقاطه بعد إن لم يوفر (ذاتياً) أي شاردة او واردة لاسقاطه، قبل شهرين طالعتنا (الهدف) بعنوان موحي ومحرض بذلك المعنى (باستكمال شروط الانتفاضة نسقط نظام الحركة الإسلامية الفاسد)
الحفاوة المبالغة في الاطراء على المقال الذي كتبه يوسف حسين، والاستشهاد لأكثر من مرة به، كما جاء في مقال (ما بين إعلان اروشا ودار السلام) لا تخفى عن القارئ المتأني، عدم الدقة والتعميم في تقييم انتفاضتي أكتوبر وأبريل إضافة إلى تقييم ما قامت به الأحزاب من أدوار ، وإطلاق صفة جبهة وتحالف على ما تم من تنسيق أو عمل مشترك سواءً في أكتوبر 1964 أو أبريل 1985 أو مطلع يناير 2018. ولتوضيح ذلك نبدأ بالاشارة لجبهة الأحزاب في أكتوبر التي تشكلت لتلاحق انتفاضة الشعب وتجيرها لمصلحتها سيما وأن بعض تلك الأحزاب كانت جزءاً من نظام نوفمبر أو مشاركاً فيه أو في مجلسه المركزي تحت غطاء ايدلوجي تبريري وهي أحزاب معروفه، أما زعامات شقها التقليدي فهذا ديدنها. تتسبب، مع أسباب أخرى، في تهيئة المناخ للإجهاز على التعددية واستدعاء العسكر الانقلابيين للاستيلاء على السلطة سواء عبر تسليم وتسلم كما تم بشكل مباشر في 17 نوفمبر 1958 أو عبر ترك الباب موارباً بغض الطرف عن النشاط الانقلابي المكشوف، وعقب بيانات شجب صورية للانقلاب، عوضاً عن الدفاع عن التعددية ونظامها الديمقراطي، تنخرط مشاركة في السلطة، أو توجه بعض رموزها للمشاركة (الفردية) كما يزعمون، وكلما تصاعد نشاط الجماهير يتغير خطابها ليمتطي موجة المد الجماهيري، لا بهدف تطويره ليبلغ مداه، وإنما لامتصاص رد الفعل الجماهيري وسط قواعدها، فإذا سقط النظام، الذي لم يحدث تغييرا حقيقياً في تركيبة الواقع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لانتفاء التناقض بينهما، نصبوا خيامهم ليتسيدوا المشهد السياسي لمرحلة (ما بعد السقوط الشكلي للدكتاتورية)، وإن تراجع المد تعود (حليمة) لخانتها وموقعها المضمون. الاستدلال الآني بهذه الحقيقة الهامة في التحليل والاستنتاج موقف تلك الزعامات وسلوكها إبان هبة سبتمبر 2013، وارهاصات انتفاضة يناير 2018.
لقد كانت القوى السياسية تعاني من الضعف والارباك والتردد، كما جاء في تحليل وثيقة البعث وقضايا النضال الوطني، ومع ذلك امتلكت القوى الحية وسط قطاعات الجماهير زمام المبادرة، وتجاوزت شلل وتردد القوى السياسية، التي أصبحت تلهث خلف جسارتها بعد أن فجرت مخزونها الثوري ، ولا يختلف الحال عن ذلك في انتفاضة مارس أبريل حيث لم يكن هنالك مركزاً موحداً للمعارضة بسبب/ الانخراط التقليدي لزعامات الأحزاب التقليدية وإخوان الترابي في مايو حتى سقوطها أو اُخرجوا منها وسفينتها قد أوشكت على الغرق، بينما هنالك من كان يعتقد أن تجربة أكتوبر لن تتكرر ، فيما انفرد تجمع الشعب السوداني {البعث، الاتحادي (الشريف حسين الهندي) سانو (صمويل ارو)، الأمة (ولي الدين الهادي المهدي)، نهضة دار فور، نقابات، شخصيات، التنظيم الوطني لضباط وجنود القوات المسلحة كجناح عسكري} بالعمل الدؤوب في التخطيط والعمل للانتفاضة، فيما اعتبرتها الحركة الشعبية (مايو 2).
المسميات الأخرى التي أطلقت على المعارضة خرجت كما في أكتوبر في اللحظات الأخيرة والنظام يلفظ في أنفاسه، واجتمعت ليلة سقوطه في دار أساتذة جامعة الخرطوم لترث ما بعد السقوط، ومن عجب أعلنت عن تشكيلها في مارس/ أبريل مُقصيةً القوى التي كان لها (القدح المعلى) في الانتفاضة كما قالها الراحل الأستاذ بدر الدين مدثر.
محاولة الفصل ما بين حشد طاقات الجماهير والدعوة لوحدة المعارضة من أجل هدف إسقاط نظام الحركة الإسلامية الفاسد ومهام ما بعد الإسقاط (تصفية ركائز الاستبداد والتسلط والتمكين) لا تعبر عن استيعاب علمي وثوري (للدوران في الحلقات المفرغة) وتتطرق للتجارب دون استيعاب لأهم دروسها ، كما أنه لا يمكن أن نطلق صفة تحالف أو جبهة للحراك الشعبي العفوي والمنظم الذي انتظم بعض المدن أو الأحياء رفضاً لموازنة العجز والافلاس منذ مطلع يناير الماضي.
التحالفات تتم بين قوى سياسية منظمة على قاعدة من الاتفاق حول برنامج وأهداف، لتقاربها الفكري والسياسي وطبيعة المصالح الاجتماعية التي تدافع عنها وتناضل في سبيلها وبوسائل نضالية محددة ومتفق عليها، مرحليا كان، أم استراتيجيا.
تجربتي أكتوبر ومارس، وما تلاهما من انتفاضات، تؤكدان على قدرة شعب السودان، وقواه الحية، على مقاومة الدكتاتورية ورفضها واسقاطها، ولا تشطرتان اقتران إسقاط الدكتاتورية بوحدة مطلقة لقوى المعارضة أو اشتراط مركز واحد لها.
الحقيقة الموضوعية شئ والرغبات ودوافعها، شئ آخر، بحسبان
أولا : ممكنات الواقع
وثانيا:تأكيد أن الوحدة ليست هدفاً أو غاية في حد ذاتها.
وثالثا:عدم لي عنق حقائق ومعطيات التجارب التاريخية.
وبضوء الحقائق، وخلاصة التجارب النضالية يكمن جوهر (وحدة المعارضة) في أهمية رمزية القيادة ودلالاتها المعنوية وسط جماهير الشعب من خلال جدلية وحدة الهدف والوسيلة. وحدة المعارضة في هذه المرحلة من نضال شعب السودان لها محتوى نضالي يعني (إسقاط النظام) ووسيلته لذلك تقاليده الراسخة في النضال السلمي الديمقراطي بسبب:
أولا: أن عدا ذلك يبقى أي حديث عن وحدة المعارضة تغيباً لحقيقة الصراع الدائر في البلاد منذ أن نالت أستقلاله.
وثانيا:أو تجاهلاً لمسببات بلوغ أزمة التطور الوطني إلى مرحلة (الأزمة الشاملة)

وثالثا:أو غطاءً أيدلوجياً لأنصاف الحلول بالتصالح مع قوى دفعها ومساومتها باللعب بالكلمات من شاكلة (أو، إذا استجابة، ولا مانع بالحل التفاوضي الشامل …. ).

وحدة المعارضة الوضوح والعمل بكل الممكنات من أجل الهدف الواحد المحدد. ويعد ضرباً من العبث محاولة الجمع بين النقيضين كتصور أن تسهم قوى ليست على خلاف جذري مع النهج الاقتصادي والاجتماعي إضافة إلى المصالح في اسقاطه، دعك في أن تستمر في مرحلة ما بعد الإسقاط، أو ان تساهم أكثر القوى تخلفاً وهيمنة على الواقع الاجتماعي والسياسي في تغييره وإعادة بنائه على أسس جديدة. فالسبخة (الأرض المالحة) لا تعطي قمحا.
الشاهد أن الترابي ليلة التآمر على التعددية الثالثة ونظامها الديمقراطي 30 يونيو 1989 لم يقل لقائد انقلابه اذهب إلى القصر رئيسا أو، إذا، ولا مانع .. فبلغ هدفه من خلال التقيد بقاعدة (وحدة الهدف) التي ينبغي أن تتقنها (القيادة)، وللمفارقة حقق الترابي ذلك في ظل تلاعب رئيس وزراء التعددية (بتوضيحاتها)، والاسلاميين أكثر الناس حرصاً على الديمقراطية.
فالقائد كما تقول الأمثولة الشعبية لا يمكنه (أن يشرك ويحاحي) في وقت واحد.

امدرمان 19اكتوبر 2018

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.