أهمية التنظيم القومي لحزبنا

اهمية التنظيم القومي في حزبنا (1)

من الخصائص الجوهرية لحزبنا ومن سماته المميزة هي انه منذ ان نشأ ، نشأ حزبا قوميا في فكره وتركيبه التنظيمي وادخل بهذه السمة شيئا جديدا” الى مفاهيم النضال العربي انذاك .

ولقد كانت نشأة الحزب على الشكل التالي : قيادة تمثل فكرة الحزب اخذت تبشر بهذه الفكرة وتدعو الشباب العربي الى الانتظام في حركتها . والمكان الذي نشأ فيه الحزب لم يكن الا مناسبة ولم يستطع ان يجعل منه حزبا سوريا او حتى سوريا” عربيا بل كان الحزب حزبا عربيا ضم منذ البدء السوري والاردني واللبناني والعراقي والتونسي والمغربي . ومن هذه النواة العربية انطلقت المنظمات تؤسس في الاقطار العربية . والمؤتمر التاسيسي الذ وضع دستور الحزب عام 1947 ، كان يضم اعضاء من عدة اقطار عربية .

ولم تكن هذه النشأة القومية للحزب وليدة العفوية او الارتجال بل كانت تشير بشكل واضح الى ان اصرار الحزب على تحقيق الامة العربية المصغرة بين صفوفه هو الذي جعله يصر على قيام الوحدة في تنظيمه كتجسيد لصورة هذه الامة وكتجاوز لواقع التجزئة المريض الذي استطاع ان ينفذ الى الفكر والعمل العربيين ، وان يفرض اطره البالية عليهما مهما كان النزوع الى رفضها عند اصحابهما قويا .

لقد اكد الحزب على هذه الميزة في مؤتمره القومي الثالث حين قال :

ان وحدة الحزب القومية تجسد صدق ايمانه بوحدة الامة العربية في مختلف اقطار الوطن ، وصدق نضاله من اجل تحقيق هذه الوحدة عمليا على الاسس الشعبية الديمقراطية التي يقوم عليها كيان الحزب وتنظيمه“.

ووحدة الحزب القومية اساس وجوده وثوريته ، لا مجرد وحدة تعاقدية بين منظمات متميزة ، ان حزبنا القومي يستطيع وحده ان يحيط بمشاكل شعبنا المتعددة في كل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-      النشرة الثقافية للقطر اللبناني ، كانون الثاني 1969. اعيد نشرها في “الثورة العربية” – السنة الاولى، العدد الثامن .

اقطاره بنظرة شاملة تؤمن تكامل جميع القوى الثورية في هذه الاقطار وتعاونها في تجسيد ارادة المجموع وتحقيق مصلحته ، وصب كل قواها في معركة يخوضها اي قطر وتجنب اي انحراف في موقف قطري يناقض المصلحة القومية ويؤدي لانتكاسة قطرية في المستقبل .

لهذا كان طابع الحزب القومي اعظم قوة ثورية فيه . وسيكون تنظيم وحدة الحزب القومية في الانطلاقة الجديدة اقوى ضمانة لانتصاراتنا وللاسراع في تحطيم الاستعمار والرجعية والانحراف والفساد وتحقيق اهداف شعبنا . والحزب
سيقاوم بعنف اية محاولة للاساءة الى وحدته القومية والتامر على مستقبل الامة العربية” .

بالطبع لم يكن اصرار الحزب على خلق هذه الامة العربية المصغرة ، وبكلمة اخرى على تحقيق الانقلاب على الواقع الفاسد مجرد طموح مثالي يدخل في عالم الاماني والامال . وانما كان يعكس فهما” عميقا لما يتضمنه خلق الامة العربية المصغرة داخل الحزب من تنمية للقوى التي تغذي النضال العربي ومن خلق شروط تحمي هذا النضال من تسرب الزيف اليه عن طريق دخول منطق الواقع الفاسد الى صفوفه بين الفينة والاخرى .

 

ماهي القوى التي ينميها التنظيم القومي ؟

1-      لقد كان الحزب باستمرار يقول ويدرك ان من اكبر مصادر قوته هي قدرته على الانفصال عن الواقع الفاسد وبناء نفسه على صورة المستقبل العربي كما يريده الحزب والشعب العربي ان يكون . فعن طريق وجود هذا التناقض بين صورة الحزب التي تصنعها الارادة الثورية وبين صورة الواقع الفاسد التي تصنعها المصالح والاغراض ، ينكشف للمواطن العربي زيف واقعه واصالة طليعته مما يساعده على رفض هذا الواقع والانضواء تحت لواء حركتنا التاريخية .

          والحزب عن طريق تجاوزه للتجزئة ومفاهيمها واطرها في تنظيمه وايديولوجيته الوحدويتين  انما يعطي الانسان العربي اصدق دليل على مقدرة الارادة الثورية في تجاوز التجزئة ويمكنه من التغلب على كل المفاهيم الاقليمية التي تحاول ان تصور التجزئة بانها حالة دائمة وان هناك فروقا جوهرية بين العربي في سوريا والعربي في مصر او العربي في اليمن والعربي في المغرب .

واذا نجح الحزب في ان يعطي للانسان العربي مثلا حيا عن واقعية الوحدة وامكان تحقيقها فانما يخاطب فيه قوته لتحقيق هذا الهدف العظيم ويوفر له محورا نضاليا يلتف حوله ويكافح في صفوفه .

2-      لقد اكد حزبنا باستمرار ان مقدرة الامة العربية على مجابهة اعدائها اذا كانت موحدة او كان نضالها موحدا ، هي اكبر بكثير من مقدرتها على هذه المجابهة وهي مجزأة او كان نضال اقطارها معزولا” عن بعضه البعض .

ففي اقل الاحتمالات واسوئها الشيء الذي يحصل عليه العرب في نضالهم الموحد هو حتما احسن مما يحصلون عليه في حالة تجزئة النضال وانفراد كل قطر بالمفاوضة” (في سبيل البعث) .

وهذا شيء طبيعي لان قدرة اعداء الامة العربية تكون اكبر بكثير اذا هي واجهت كل قطر بمفرده واستفردته منها اذا واجهت الامة العربية ككل .

 ان استراتيجية “فرق تسد” الاستعمارية المعروفة لايمكن ان تجابه الا باستراتيجية “وحد تنتصر” من قبل الشعوب الضعيفة المقهورة .

فالاستعمار الاميركي اذا اراد ان يقضي على بذور ثورة تحررية في احد الاقطار وواجهته الجماهير العربية في كل قطر يصبح اضعف بكثير مما لو تمكن من مواجهة هذا القطر منفردا” .

فوحدة النضال العربي هي اذن اكبر رصيد للثورة العربية في عملية نموها وتصاعدها .

ولئن كانت هذه الوحدة تتم بشكل عفوي في السابق وتتجاوز كل الحدود وتبرز الامة العربية موحدة رغم الحكام والتقسيمات السياسية ، وتستطيع ان تحقق انتصارات رائعة كما حدث في ثورة الجزائر والعدوان الثلاثي على مصر … فان اساليب اعداء هذه الامة قد تطورت تطورا هائلا” في اتجاه تطويق وحدة النضال هذه ، وتفتيتها وافراغها من زخمها مستفيدة في ذلك كله من تعدد المنظمات الوطنية ذات الطابع القطري ومن ضعف النضال الايديولوجي ضد القطرية . فبينما تحركت الامة العربية باسرها يوم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، كان تحرك هذه الامة محصورا ومحدودا ابان عدوان 1967 . رغم خطورة العدوان الفائقة ورغم الاستعدادات الشعبية الهائلة عند الجماهير العربية للتحرك ، لماذا ؟

لانه لم يكن هناك تنظيم جماهيري على مستوى قومي يخطط لتفجير هذه الاستعدادات ضمن استراتيجية شاملة لمواجهة العدوان يضاف اليه ان اساليب الثورة المضادة قد استطاعت تطويق العفوية التي كانت المحرك الاساسي للانطلاقات الشعبية قبل عشر سنوات …

لقد اتضح مجددا” ان الترجمة التنظيمية لوحدة النضال العربي هي في قيام التنظيم الموحد على صعيد الوطن العربي وهذا ما ادركه حزبنا منذ قيامه .

فأذا كانت وحدة النضال العربي في عفويتها قوة تاريخية كبرى فكم تصبح قوتها اذا دخلت نطاق العمل المنظم الشامل ؟

ماهي شروط حماية النضال التي يخلقها التنظيم القومي ؟

1-      ان اخطر ما تواجهه الامة العربية في عصرنا الحاضر انها تتعرض يوما بعد يوم لاقصى المحاولات من اجل ان يعطى لتجزئتها السياسية ابعاد اقتصادية واجتماعية تعمقها وتخلق عقبات كبرى في وجه ازالتها .

فالقوى المعادية للشعب العربي تقدم كل الامكانيات من اجل اعطاء كل كيان قطري هزيل مبررات الاستمرار والحياة سواء على الصعيد الاقتصادي كأن تخلق مشاريع اقتصادية تتعارض مع مشاريع مماثلة في اقطار اخرى او على الصعيد الاجتماعي او الثقافي كأن تعمل على ابراز مميزات ثقافية او لغوية او اجتماعية خاصة بكل قطر على حساب وحدة ثقافته ولغته ومجتمعه مع الاقطار الاخرى .

ان هذا الخطر الواضح والشديد الذي يحيق بأمتنا والذي يعتبر خير شاهد على حرص الامبرياليين على تطبيق قانونهم في هذا العصر وهو قانون تجزئة الشعوب ، يجب ان يقابله جهد عنيف ومتواصل من قبل القوى الوحدوية الحقيقية التي تدرك كم توفر التجزئة لاعداء هذه الامة من فرص الحياة .

الا ان هذه القوى اذا كانت وحدوية النظرة وقطرية التكوين ستجد نفسها مضطرة الى الانغماس في اللعبة القطرية ذاتها وفقدان رؤيتها الوحدودية كما انها ستجد ذاتها اذا امتلكت لقوى معينة حريصة على ابقاء الاوضاع القطرية لان في بقاء مثل هذه الاوضاع فقط تضمن مصالحها واستمرارها ونفوذها وهذا ما يفسر الراي القائل بان الاحزاب القطرية التركيب مهما كانت حسنة النوايا الوحدوية وصافية النظرة القومية ستتحول مع الزمن الى قوى قطرية النوايا والنظرة والتصرف وبالتالي الى قوى غير ثورية لا بل تصبح معادية للثورة الوحدوية في بعض الاحيان (فقط الحزب القومي التركيب هو الذي يضمن باستمرار لفرعه في اي قطر ان يتجاوز خطر الانغماس في المشاكل القطرية والابتعاد عن المنطلق الوحدوي في التفكير) .

وحتى هذا الحزب ذو التركيب القومي غالبا ما يجابه حالات يتعاون فيها ضعف مركزية قيادته القومية مع قوة تنظيمه في بعض الاقطار فيؤدي به الى جنوح هذا التنظيم نحو التفكير القطري والمنزلقات الاقليمية ويصبح هم هذا التنظيم الانفلات من التزاماته القومية . وقد يطمح الى تحويل كل التنظيمات الاخرى التابعة للحزب لخدمة مخططاته داخل القطر .

لقد وعى حزبنا اهمية النظرة القومية لنضاله داخل كل قطر منذ تاسيسه ، فقد جاء في كتاب “في سبيل البعث” :

((فحزبنا في سوريا مثلا وهذا ينطبق عليه في كل الاقطار التي له فيها فروع بدأ حياته منذ تاسيسه وبدأ نضاله يعالج مشاكل الشعب في الجزء الذي وجد الحزب فيه ولكن على اساس عربي . لما بدأ الحزب في سوريا كان يناضل ضد الاستعمار الفرنسي ، ولكنه في كل خطوة خطاها في نضاله ضد الاستعمار كان يذكر الشعب بان هذا الجزء هو جزء من كل … من الوطن العربي وان الاستعمار موجود في اجزاء اخرى وان طرده من هنا واضعافه سيساعد الاقطار الاخرى على التحرر وان بقاءه هنا في سوريا يساعد الاستعمار على الضغط والاستبداد باخواننا في اقطار اخرى . وبعد التخلص من الاستعمار الفرنسي هنا وجه الحزب نضاله ضد (الطبقة الحاكمة) لانها كانت زمن الاستعمار سببا في استمرار بقائه ، لانها زيفت النضال واضعفته عندما تزعمت النضال وساومت الاستعمار مرارا عليه … فهل كنا في نضالنا ضد هذه الطبقة هل كنا نعمل لسوريا كبلد قائم بذاته مستقل لاتصله بالبلاد العربية صلة ؟ كلا كنا نعرف نضالنا ضد هذه الطبقة هو نضال ضد مرض واحد ابتلى به العرب في ارضهم … وعندما قاومنا الدكتاتورية العسكرية لم نكن نعالج حادثا اقليميا وانما ظاهرة عربية … )) (ص 231- 234) .

فالنظرة يجب ان تكون دائما عربية حتى يأخذ النضال القطري مجراه الطبيعي ضمن النضال القومي العام وهذه النظرة هي من ابرز ميزات حزبنا .

((ولئن كان قد تسمى بالبعث العربي فليس ذلك لانه اول حزب آمن بالوحدة العربية فكرا” وعملا” وجعل تنظيمه على اساس عربي شامل فحسب بل لانه آمن منذ البدء ان كل نظرة ومعالجة لمشاكل العرب الحيوية في اجزائها ومجموعها لا تصدر من هذه المسلمة : “وحدة الامة العربية” تكون نظرة خاطئة ومعالجة ضارة . فليس الفرق اذن بين البعث العربي وبين الاحزاب الاخرى التي تنشأ في الاقطار العربية والتي منها ما ينادي بالاشتراكية ومنها ما ينادي بالديمقراطية ومنها ما ينادي بالاثنين معا في حدود القطرالذي تنشأ فيه واكثرها يقول بالوحدة العربية كنتيجة وهدف اخيرسيصل اليه كل قطرعندما يكتمل تطوره وتنضج الشروط اللازمة لتحقيق الوحدة العربية ، نقول ان الفرق بين حزبنا وهذه الاحزاب ليس فرقا في الكم بل وفي النوع ..)) (معركة المصيرالواحد، ص 190) . 

لا بل ان الحزب قد قيم  دور هذه الاحزاب والانظمة القطرية تقييما حاسما ونهائيا منذ زمن حين قال : ((فلم يعد اذن عمل الاحزاب القطرية والحكومات مرحلة توصل الى الوحدة بل اتجاها” جديدا” وطريقا مختلفا يبعد عنها ويضعف امكانياتها))
(في سبيل البعث ، ص 242) .

وقد تطور شرح هذه النظرية عبر نضال الحزب وتجاربه حتى توصل الى ابراز تناقض الاحزاب القطرية مع الوحدة على اساس طبقي واضح : ((فالاحزاب القطرية تتناقض مع الوحدة لتناقض مصالح القائمين مع مصلحة الوحدة في القضاء على المؤسسات ذات الاشكال القطرية . ان هذا يجعل في استطاعتنا ان نؤكد دون تحفظ بان الاحزاب القطرية بجميع اصنافها ومهما كانت ايديولوجيتها لايمكن ان تكون الا تعبيرا عن مصالح البورجوازية او البورجوازية الصغيرة)) . (مقال : ما الذي جرى في 23 شباط) .

ان المعاني العملية لهذا الالتزام تتجسد بالتالي :

أ‌–        اعتبار القيادة القومية الوحيدة في الحزب وان شرعية اية قيادة دنيا تستمد من انسجامها مع هذه القيادة فقط .

ب‌–      تقوية اجهزة القيادة القومية ومكاتبها بشكل يؤمن لهذه القيادة الاطلاع السريع والشامل على الواقع الحزبي الخاص والواقع العام داخل كل قطر وعلى نطاق الوطن العربي كله .

جـ‌–      اولوية العمل على المستوى القومي لكل قائد حزبي على كل عمل اخر بما يعني هذا من تفرغ كامل من قبل اعضاء القيادة القومية لعملهم فيها .

ان حزبنا في هذه المرحلة هو الحركة الشعبية الوحيدة التي تعمل على نطاق قومي وهذه الميزة هي احد اسرار قوة الحزب التي يجب ان لانغفل اهميتها بل ونعمل على تطويرها باستمرار . وان حزبنا بمقدار ما يتمسك بهذه الميزة ويخلص لها هو قادر على ان يحفر لنفسه مجرى عميقا في النضال العربي وقادر على ان يوفر لهذا النضال اداته الثورية الفعالة بعد ان قدم له الفكر والاطار التنظيمي العام .

اذن الشرط الاول الذي يخلقه التنظيم القومي هو حماية وحدوية الحزب ومنعه من الانغماس الكامل في المشاغل القطرية مع ما يقود اليه مثل هذا الانغماس من استسلام لمصالح وقوى غالبا” ما تكون مناقضة لعقيدة الحزب وسير نضاله .

2-      من الواضح ان السلطة هي عبارة عن محك لقدرة الحزب الثوري واخلاصه لمبادئه وتعلقه به . كما انه من الواضح ايضا ان للسلطة مقدرة هائلة على افساد ماسكي زمامها سواء من حيث قدرتها على ابعادهم عن مبادئهم او عن الشعب .

ولما كانت السلطة امرا لا مفر منه امام اي حزب ثوري يطمح الى تغيير جدي في الواقع الفاسد فانه من الضروري لهذا الحزب ان يمتلك فهما” عمليا” واضحا” للسلطة وتأثيراتها وان يمتلك تصورا” لكيفية تحويل السلطة وهي السيف ذي الحدين لخدمة اهداف الثورة بدلا” من ان تتمكن من تشويه مناضليه وافسادهم . كذلك على الحزب الثوري ان يخلق الشروط الموضوعية التي تمكنه من السيطرة على السلطة وتسخيرها لاهدافه بدلا من سيطرة السلطة عليه وتسخيرها الحزب لمقتضيات الحفاظ عليها .

ان من ابرز هذه الشروط الموضوعية التي يمتلكها الحزب هو وجود تنظيم قومي له . فاذا استلم الحزب السلطة في احد الاقطار قد تنشأ حالة يقوى فيها تاثير السلطة على عدد كبير من الرفاق داخل هذا القطر فتضعف رؤيتهم الثورية وتتحول مجالات اهتمامهم ويصبح الحزب اكثر قابلية لانحراف عن خطه النضالي الا ان وجود التنظيم القومي نسبيا الذي يضم مناضلين لم يزالوا بعد على التصاق حميمي بالشعب ومبتعدين نسبيا عن تاثيرات السلطة بشكل صمام امان ضد اي امكانية انحراف للقطر الحاكم .

فالمناضل الحزبي يقف خارج السلطة ومغرياتها لايهمه من السلطة غير ما تحققه من منجزات للجماهير العربية ومقدار انسجامها مع مبادىء الحزب ، بينما يستسلم المناضل الحزبي للواقع تحت تاثير السلطة الى مفاهيم مشوشة تحت شعار “المرحلية” ومصلحة الحفاظ على الثورة فيجد نفسه وقد ابتعد شيئا” فشيئا” عن مبادىء الحزب واصالته .

وصمام الامان هذا قادر على ايصال صوته وتحقيق التجاوب المطلوب مع مستلزماته اذا كانت القيادة القومية للحزب هي القيادة الحقيقية وقراراتها هي القرارات النافذة وسلطتها هي السلطة العليا .

فالقيادة القومية اذن تحكم تكوينها القومي اقدر على محاكمة الامور من منطلق قومي من اي قيادة دنيا وبالتالي اقدر على ردع الحزب عن اي انحراف قد يقع فيه .

وتاريخ الحزب مليء بالشواهد التي تدل انه دائما” حين كانت ترتفع داخل الحزب اصوات تحت تاثير السلطة وتكاد ان تزيف الحزب وتفقده معالمه ، كانت الهيئات القومية من مؤتمر قومي او القيادة المنبثقة عنه تتقدم لتقاوم التزييف .

هذا ما حصل في المؤتمر القومي الثالث حين حاول عبد الله الريماوي ان يلغي دور الحزب بدافع من خضوعه لتاثيرات اجهزة السلطة الناصرية .

وهذا ماحصل ايضا” بعد الانفصال حين حاول بعض القياديين في سوريا بدافع من الرغبة في الوصول السريع الى السلطة ان يبعدوا عن الحزب طابعه الوحدوي والذي هو اساس وجوده .

وكذلك كانت القيادة القومية كمؤسسة هي قائدة الصراع الذي خاضه الحزب ضد تزييف القطريين قبل 23 شباط وبعده .

على ان هذا الشرط ليس الشرط الوحيد وانما شرط بارز من شروط ضمان عدم استسلام الحزب للسلطة .

3-      ان التمسك بالتركيب القومي لحزبنا يمكن ايضا ان يشكل معيارا” دقيقا لكشف مدى الاخلاص والايمان بالوحدة العربية وبالتالي بالحزب لان حزبنا “اما ان يكون قوميا” او لا يكون مطلقا” ” .

فلقد اصبح من السهل على العديد الكلام عن الوحدة العربية وحتى السير بخطوات شكلية تجاهها ، الا ان ليس من السهل على المواطن ان يكشف صدق قائلي هذا الكلام .

ان احد المعايير البارزة التي استطاع حزبنا ان يقدمها كضوء كشاف على مدى اخلاص اي مسؤول او قائد لهدف الوحدة هو مدى ايمانه بالتنظيم القومي . وحتى الان يستطيع الحزب من خلال هذا المقياس ان يكتشف كثيرا” من الوحدويين غير الحقيقييين .

فغير المؤمن بالتنظيم القومي مهما اتسع مجال نشاطه القومي ومهما غالى في اظهار وحدويته سنجده يوما وقد انعزل على نفسه وداخل قطره معتبرا” المشاغل القومية عبارة عن كماليات في مرحلة ازدادت فيها مشاكله القطرية .

وغير المؤمنين بالتنظيم القومي وان كانوا يسعون لتشكيل تنظيم قومي شكلي كالقطريين في سوريا نجدهم غير مؤمنين بالوحدة وبقيامها وان سعوا لتركيب وحدة شكلية يخدعون بها الشعب كما خدعوا بعض الحزبيين عن طريق تنظيمهم القومي الشكلي .

ان هذه الشروط التي يخلقها التنظيم القومي بالاضافة الى القوى التي ينميها وجوده تظهر ان اصرار الحزب على ان يكون تركيبه قوميا لم يكن مجرد رغبة عابرة او طموحا” مثاليا” وانما قام نتيجة تحليل عميق لطبيعة النضال العربي وحاجاته ولفهم شامل للقوى التي تحرك هذا الواقع .

والالتزام بهذا التنظيم ومقتضياته العملية هو مقياس اساسي لمقدرة الحزب على انجاز مهماته . فحزب البعث لايستطيع انجاز مهماته الا اذا زالت منه الرواسب القطرية التي تأخذ مظهرها الرئيسي في محاولة رفض المركزية القومية الممثلة في القيادة القومية . هذه الرواسب التي تحرص عليها وتحتفظ بها عناصر البورجوازية الصغيرة المولعة بالسلطة ويساعدها على الاحتفاظ بها ضعف النضال الايديواوجي في الحزب ضد القطرية ونتائجها كما يساعدها ايضا” اهمال بعض العناصر القيادية الاطلاع على الاوضاع الحزبية والعامة في القطر المحكوم عن كثب .

                                                                             (عام 1969)

الشروط القادرة على حماية التنظيم القومي وتطوره

أولا” : ان الشرط الاول لحماية التنظيم القومي والسير في تطويره وخلق الاداة الكفيلة بتحقيقه هو مقاومة التأقلم الذي بدأ يدب في الشعب العربي ، وبمقاومة هذا التأقلم نستطيع حماية التنظيم القومي ، فضلا” عما يكتسبه من عناصر ثورية قادرة على تطويره.

ثانيا” : ان اخطر المشاكل التي تجابه التنظيم القومي هو ما تتعرض له الامة العربية من محاولات تزييفية لاعطاء التجزئة بعدا قطريا” سواء كان اقتصاديا” ام اجتماعيا” او ثقافيا” وهذه المحاولة التزييفية التي يغذيها الاستعمار الغرض منها الهاء الشعب العربي وتوجيه نظرته نحو المشاكل الاقتصادية القطرية وجعل افراد الشعب في القطر يركزون جل اهتمامهم نحو قضيتهم مع اهمالهم للقضايا العربية الاخرى . ان خلق مثل هذه المحاولات يهدف الى تطويق التنظيم القومي بهالة من العزلة الجماهيرية وقتله من حيث ابتدأ .

ثالثا” : هناك حركات تنادي بتحقيق الاشتراكية القطرية المزعومة وهذه الحركات قد استطاعت ان تجذب بعض الجماهير العربية التي لم يصل الوعي لديها لدرجة النضوج وقد اجرفت بدافع حب الاشتراكية .

ولكن لفضح مثل هذه الدعوات التي تؤثر على التنظيم القومي يجب ان تجابه بحملة توعية ثورية قادرة على تبديد هذه المزاعم لانه لايمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الناحية الاقتصادية في النطاق القطري .

رابعا” : كثيرا” ما تواجه التنظيم القومي المشاكل عند استلام احد فروعه السلطة في قطر ما وهذا ما واجهته حركتنا بالفعل . وللحيلولة دون حدوث مثل هذه المشاكل يجب ان تتمتع القيادة القومية بمركزية تنظيمية قادرة على ضرب اي من القيادات الدنيا في حالة عدم الخضوع للقرارات الصادرة . اضافة الى ذلك فان السلطة تخلق مشكلة للتنظيم القومي وهي انغماس عدد ليس باليسير من الكوادر الحزبية في ملذات السلطة وفي التمتع بالمراكز الادارية وهذه الظاهرة قد حدثت في حركتنا عندما تولت السلطة في العراق عام 1963 . وللخلاص من هذه الافات يجب ان تتفرغ الكوادر القيادية للعمل الحزبي فقط لان المناضل الذي لايقود السلطة ليس له مطلب سوى تحقيق المكاسب للجماهير ، زد على ذلك فان مركزية القيادة القومية تؤدي في الوقت نفسه الى الاشراف الكامل على السلطة من خلال توجيهها نحو الوجهة القومية .

خامسا” : لدفع المخاطر عن التنظيم القومي يجب التمسك الكامل به لانه يشكل المعيار الصادق للايمان بالوحدة العربية ، فالذي لا يؤمن بالتنظيم القومي لايمكن ان يؤمن بالوحدة العربية .

من خلال ذلك يمكن القول ان الوحدة القومية لا يمكن ان تتجسد الا بالتنظيم القومي . والبعث العربي الاشتراكي اول من آمن بالتنظيم القومي واعتبره الجسد الاول للوحدة العربية القومية والمقياس الحساس الذي يقاس به مدى ايمان اية حركة او دولة بالوحدة العربية .

                                                                            عام 1972

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.